فإنك إن فعلت ذلك كنت قد جعلته شارعا لا متشرعا مكلفا لا مكلفا وتعبدا لا متعبدا وفي هذا من الخطر علك والوبال لك ما قدمناه فإنه وإن فضلك بنوع من أنواع العلم وفاق عليك بمدرك من مدارك الفهم فهو لم يخرج بذلك عن كونه محكوما عليه متعبدا بما أنت متعبد فضلا عن أن يرتفع عن هذه الدرجة إلى درجة يكون رأيه فيها حجة على العباد واجتهاده لديها لازما لهم
بل الواجب عليك أن تعترف له بالسبق وتقر له بعلو الدرجة اللائقة به في العلم معتقدا أن ذلك الاجتهاد الذي اجتهده والاختيار الذي اختاره لنفسه بعد إحاطته بما لا بد منه هو الذي لا يجب عليه غيره ولا يلزمه سواه لما ثبت في الصحيح عنه ﷺ من طرق أنه إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر وفي خارج الصحاح في طرق أنه إذا أصاب فله عشر أجور وقد صححه الحاكم في المستدرك وفضل الله واسع وعطاؤه جم
[توطين النفس على البحث والاجتهاد]
وليس لك أن تعتقد أن صوابه صواب لك أو خطأه خطأ عليه بل عليك أن توطن نفسك على الجد والاجتهاد والبحث بما يدخل من تحت طوقك وتحيط به قدرتك حتى تبلغ إلى ما بلغ إليه من أخذ الأحكام الشرعية من ذلك المعدن الذي لا معدن سواه والموطن الذي هو أول الفكر وآخر العمل فإن ظفرت به فقد تدرجت من هذه البداية إلى تلك النهاية وإن قصرت عنه لم تكن ملوما بعد أن قررت عند نفسك وأثبت في تصورك أنه لا حجة إلا لله ولا حكم إلا منه ولا شرع إلا ما شرعه وإن اجتهادات