وإذا عرفت ما ينبغي لكل طبقة من تلك الطبقات من المعارف العلمية فلنكمل لك الفائدة بذكر مباحث ينتفع بها طالب الحق ومريد الإنصاف انتفاعا عاما ويرتقي بها إلى مكان يستغني به عن كثير من الجزئيات
[جلب المصالح ودفع المفاسد]
فمنها أن يعلم أن هذه الشريعة المطهرة السمحة مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد ومن تتبع الوقائع الكائنة من الأنبياء والقصص المحكية في كتب الله المنزلة علم ذلك علما لا يشوبه شك ولا تخالطه شبهة
وقد وقع ذلك من نبيا ﷺ وقوعا لا ينكره من له أدنى علم بالشريعة المطهرة فإنه ﷺ لما تبين له نفاق بعض المنافقين واستحقاقه للقتل بحكم الشريعة قال لا يتحدث الناس بأن محمدا يقتل أصحابه
فترك قتله لجلب مصلحة هي أتم نفعا للإسلام وأكثر عائدة على أهله ودفع مفسدة هي أعظم من المفسدة الكائنة بترك قتله
وبيان ذلك أنه إذا تحدث الناس بمثل هذا الحديث وشاع بينهم شيوعا لا يتبين عنده السبب كان ذلك من أعظم المنفرات لأهل الشرك عن الدخول في الدين لأنه يصد أسماعهم ذلك الحديث فيظنون عنده أن ما يعتقدونه من السلامة من القتل بالدخول في الإسلام غير صحيح فيهربون منه هربا شديدا ويبعدون عنه بعدا عظيما
وهكذا وقع منه ﷺ التأثير لجماعة ممن لم تثبت قدمه في الإسلام بغنائم حنين كأبي سفيان والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن فكان يعطي الواحد من هؤلاء وأمثالهم المائة من الإبل وما يقوم مقام ذلك والمهاجرون والأنصار الذين هم المقاتلة المستحقون للغنيمة ينظرون إلى التأثير ووقع في أنفسهم ما وقع حتى قال قائلهم يرحم الله رسول الله