ونفيه فإن الخلاف المحرر في هذه المسألة لفظي عند من أنصف وحقن فكيف بحال غيرهم من عباد الله ممن ليس هو من أهل الرسالة ولا جعله الله من أهل العصمة كالصحابة فالتابعين فتابعيهم من أئمة المذاهب فسائر حملة العلم فإن من زعم أن لواحد من هؤلاء أن يحدث في شرع الله ما لم يكن فيه أو يتعبد عباد الله بما هو خارج عن ما هو منه فقد أعظم على الله الفرية وتقول على الله تعالى بما لم يقل وأوقع نفسه في هوة لا ينجو منها إلا طرحها في مطرح سوء ووضعها في موضوع شر ونادى على نفسه بالجهل والجرأة على الله تعالى والمخالفة لما جاءت به الشرائع وما أجمع عليه أهلها فإن هذه رتبة لم تكن إلا لله ومنزلة لا ينزلها غيره ولا يدعيها سواه فمن ادعاها لغيره تصريحا أو تلويحا فقد أدخل نفسه في باب من أبواب الشرك وكان ذلك هو الفائدة التي استفادها من طلبه والربح الذي ربحه من تعبه ونصبه وصار اشتغاله بالعلم جناية عليه ومحنة له ومصيبة أصاب بها نفسه وبلية قادها إليها ومعصية كان عنها بالجهل وعدم الطلب في راحة
وهكذا من لم يحسن لنفسه الاختيار ولا سلك فيها مسالك الأبرار ولا اقتدى بمن أمر الله الاقتداء به من أهل العلم الذين جعلهم محلا لذلك ومرجعا
[تحري الإنصاف]
فإذا تقرر لك هذا وعلمت بما فيه من الضرر العظيم الذي يمحق بركة العلم ويشوه وجهه ويصيره بعد أن كان من العبادات التي لا تشبهها طاعة ولا تماثلها قربة معصية محضة وخطيئة خالصة تبين لك نفع ما أرشد إليه من تحري الإيمان الذي من أعظم أركانه وأهم ما يحصله لك أن تكون منصفا لا متعصب في شيء من هذه الشريعة فإنها وديعة الله عندك وأمانته لديك فلا تخنها وتمحق بركتها بالتعصب لعالم من علماء الإسلام بأن تجعل ما يصدر عنه من الرأي ويروى له من الاجتهاد حجة عليك وعلى سائر العباد