وإني أتصور الآن أن الكلام بمعونة الله ومشيئته لا بد أن يتعدى إلى فوائد ومطالب ينتفع بها المنتهي كما ينتفع بها المبتدئ ويحتاج إليها الكامل كما يحتاج إليها المقصر ويعدها المتحققون بالعرفان من أعظم الهدايا
[إخلاص النية لله]
فأول ما على طالب العلم أن يحسن النية ويصلح طويته ويتصور أن هذا العمل الذي قصد له والأمر الذي أراده هو الشريعة التي شرعها الله سبحانه لعباده وبعث بها رسله وأنزل بها كتبه ويجرد نفسه عن أن يشوب ذلك بمقصد من مقاصد الدنيا أو يخلطه بما يكدره من الإرادات التي ليست منه كمن يريد به الظفر بشيء من المال أو يصل به إلى نوع من الشرف أو البلوغ إلى رئاسة من رئاسات الدنيا أو جاه يحصله به
فإن العلم طيب لا يقبل غيره ولا يحتمل الشركة والروائح الخبيثة إذا لم تغلب على الروائح الطيبة فأقل الأحوال أن تساويها وبمجرد هذه المساواة لا تبقى للطيب رائحة والماء الصافي العذب الذي يستلذه شاربه كما يكدره الشيء اليسير من الماء المالح فضلا عن غير الماء من القاذورات بل تنقص لذته مجرد وجود القذاة فيه ووقوع الذباب عليه هذا على فرض أن مجرد تشريك العلم مع غيره له حكم هذه المحسوسات وهيهات ذاك
فإن من أراد أن يجمع في طلبه العلم بين قصد الدنيا والآخرة فقد أراد الشطط وغلط أقبح الغلط فإن طلب العلم من أشرف أنواع العبادة