واعلم أن سبب الخروج عن دائرة الإنصاف والوقوع في موبقات التعصب كثيرة جدا فمنها
[النشوء في بلد متمذهب بمذهب معين]
وهو أكثرها وقوعا وأشدها بلاء أن ينشأ طالب العلم في بلد من البلدان التي قد تمذهب أهلها بمذهب معين واقتدوا بعالم مخصوص وهذا الداء قد طبق في بلاد الإسلام وعم أهلها ولم يخرج عنه إلا أفراد قد يوجد الواحد منهم في المدينة الكبيرة وقد لا يوجد لأن هؤلاء الذين ألفوا هذه المذاهب قد صاروا يعتقدون أنها هي الشريعة وأن ما خرج عنها خارج عن الدين مباين لسبيل المؤمنين ﴿كل حزب بما لديهم فرحون﴾ فأهل هذا المذهب يعتقدون أن الحق بأيديهم وأن غيرهم على الخطأ والضلال والبدعة وأهل المذهب الآخر يقابلونهم بمثل ذلك والسبب أنهم نشأوا فوجدوا آباءهم وسائر قراباتهم على ذلك ورثة الخلف عن السلف والآخر عن الأول وانضم إلى ذلك قصورهم عن إدراك الحقائق بسبب التغيير الذي ورد عليهم ممن وجدوه قبلهم
وإذا وجد فيهم من يعرف الحق فهو لا يستطيع أن ينطق بذلك مع أخص خواصه وأقرب قرابته فضلا عن غيره لما يخافه على نفسه أو على ماله أو على جاهه بحسب اختلاف المقاصد وتباين العزائم الدينية فيحصل من قصورهم مع تغير فطرهم بمن أرشدهم إلى البقاء على ما هم عليه وأنه الحق وخلافه الباطل وسكوت من له فطنة ولدينه عرفان وعنده إنصاف عن