واعلم أنه كما يتسبب عن التعصب محق بركة العلم وذهاب رونقه وزوال ما يترتب عليه من الثواب كذلك يترتب عليه من الفتن المفضية إلى سفك الدماء وهتك الحرم وتمزيق الأعراض واستحلال ما هو في عصمة الشرع ما لا يخفى على عاقل وقد لا يخلو عصر من العصور ولا قطر من الأقطار من وقوع ذلك لا سيما إذا اجتمع في المدينة والقرية مذهبان أو أكثر وقد يقع من ذلك ما يفضي إلى إحراق الديار وقتل النساء والصبيان كمثل ما كان يقع بين السنية والشيعة ببغداد فإنهم كانوا يفعلون في كل عام فتنا ويهرقون الدماء ويستحلون من بعضهم البعض ما لا يستحلونه من أهل الذمة بل قد لا يستحلونه من الكفار الذين لا ذمة لهم ولا عهد
وهذا يعرفه كل من له خبرة بأحوال الناس ومن أراد الاطلاع على تفاصيل ما كان يقع بينهم في بغداد بخصوصها فلينظر في مثل تاريخ ابن جرير وفي تواريخ الذهبي وتاريخ ابن كثير ونحو ذلك فإنه يسجل في حوادث كل سنة شيئا من ذلك في الغالب