وإني أخبرك أيها الطالب عن نفسي تحدثا بنعمة الله سبحانه ثم تقريبا لما ذكرت لك من أن هذا الأمر كامن في طبائع الناس ثابت في غرائزهم وأنه من الفطرة التي فطر الله الناس عليها
إني لما أردت الشروع في طلب العلم ولم أكن إذا ذاك قد عرفت شيئا منه حتى ما يتعلق بالطهارة والصلاة إلا مجرد ما يتلقاه الصغير من تعليم الكبير لكيفية الصلاة والطهارة ونحوهما فكان أول بحث طالعته بحث كون الفرجين من أعضاء الوضوء في الأزهار وشرحه لأن الشيخ الذي أردت القراءة عليه والأخذ عنه كان قد بلغ في تدريس تلامذته إلى هذا البحث فلما طالعت هذا البحث قبل الحضور عند الشيخ رأيت اختلاف الأقوال فيه سألت والدي ﵀ عن تلك الأقوال أيها يكون العمل عليه
فقال يكون العمل على ما في الأزهار
فقلت صاحب الأزهار أكثر علما من هؤلاء
قال لا
قلت فكيف كان اتباع قوله دون أقوالهم لازما
فقال أصنع كما يصنع الناس فإن فتح الله عليك فستعرف ما يؤخذ به وما يترك
فسألت الله عند ذلك أن يفتح علي من معارفه ما يتميز لي به الراجح من المرجوح وكان هذا في أول بحث نظرته وأول موضوع درسته وقعدت فيه بين يدي العلم فاعتبر بهذا ولا تستبعد ما أرشدتك إليه فتحرم بركة العلم وتمحق فائدته
ثم ما زلت بعد كما وصفت لك أنظر في مسائل الخلاف وأدرسها على الشيوخ ولا أعتقد ما يعتقده أهل التقليد من حقية بعضهم بمجرد الإلف والعادة والاعتقاد الفاسد والاقتداء بمن لا يقتدي به بل أسأل من عندهُ