فأول عقدة تنحل عنه من عقد هذه المرارة عندما يتصور ما يؤول به الأمر الأمر وينتهي إليه حاله من الوصول إلى ما قد وصل إليه من يجده في عصره من العلماء
ثم تنحل عنه العقدة الثانية بفهم المباحث وحفظ المسائل وإدراك الدقائق فإنه عند ذلك يجد من اللذة والحلاوة ما يذهب بكل مرارة
ثم إذا نال من المعارف حظا وأحرز منها نصيبا ودخل في عداد أهل العلم كان متقلبا في اللذات النفسانية التي هي اللذات بالحقيقة ولا يعدم عند ذلك من اللذات الجسمانية ما هو أفضل وأحلى من اللذات التي يتقلب فيها كل من كان من أترابه
وهو إذا وازن بين نفسه الشريفة وبين فرد معارفه الذين لم يشتغلوا بما اشتغل به اغتبط بنفسه غاية الاغتباط ووجد من السرور والحبور ما لا يقادر قدره هذا باعتبار ما يجده من اللذة النفسانية عند أن يجد نفسه عالمة ونفس معارفه جاهلة
ويزداد ذلك بما يحصل له من لوازم العلم من الجلالة والفخامة وبعد الصيت وعظم الشهرة ونبالة الذكر ورفعة المحل والرجوع إليه في مسائل الدين وتقديمه على غيره في مطالب الدنيا وخضوع من كان يزري عليه ويستخفف مكانه من بني عصره فإذا جمعهم مجلس من الدنيا كانوا له بمنزلة الخدم وإن كان على غاية من الإفلاس والعدم
ثم إذا تناهى حاله وبلغ من الحظ في العلم إلى مكان علي انثال عليه الطلبة للعلوم وأقبل إليه المستفتون في أمر الدين واحتاج إليه ملوك الدنيا فضلا عن غيره فيكون عند هذا عيشه حلوا محضا وعمره مغمورا باللذات النفسانية والجسمانية ويرتفع أمره عن هذه الدرجة ارتفاع لا يقادر قدره إذا تصور ماله عند الله من عظيم المنزلة وعلي الرتبة وعظيم الجزاء الذي هو المقصود أولا وبالذات من علوم الدين