ومال إلى الكتاب والسنة من كان يميل عنهما وتردى بأثواب الرواية من كان متجلببا بالرأي ومشى في رياض الاجتهاد واقتطف من طيب ثمراته واستنشق من عابق رياحينه ما كان معتقلا في سجن التقليد مكبلا بالقيل والقال مكتوفا بآراء الرجال
فإن قلت ما ذكرته من انبناء الشريعة المطهرة على جلب المصالح ودفع المفاسد ماذا تريد به هل يلاحظ ذلك النفع والدفع مطلقا أو في حالة من الحالات
قلت لا أريد ما قدمته إلا أن ما لم يرد فيه نص يخصه ولا اشتمل عليه عموم ولا تناوله إطلاق فحق على العالم المرشد للعباد الطالب للحق أن يستحضر ذلك ويرشد إليه ويهتم به ويدعو إليه
وأما مواقع النصوص وموارد أدلة الكتاب والسنة ومواطن قيام الحجج فلا جلب نفع ولا دفع ضر أولى من ذلك وأقرب منه إلى الخير وأولى منه بالبركة فهو في الحقيقة مصالح مجلوبة ومفاسد مدفوعة وإن قصرت بعض العقول عن إدراك ذلك والإحاطة بكنهه والوقوف على حقيقته فمن قصورها أتيت ومن ضعف إدراكها دهيت
ومن تدبر ذلك كل التدبر وتأمله بحق التأمل لم يخف عليه فإن كل جزئي من جزئيات الشريعة التي قام الدليل على طلبها والتعبد بها للكل أو البعض مطلقا أو مقيدا لا بد أن يشتمل على جلب مصلحة أو مصالح عرفها من عرفها وجهلها من جهلها وكل جزئي من جزئيات الشريعة الواردة بالنهي عن أمر أو أمور لا بد أن يكون المنهي عنه مشتملا على مفسدة أو مفاسد تندفع بالنهي عنها
ولمزيد التتبع وكثرة التدبر في ذلك مدخلية جليلة لا سيما مع استحضار الاستعانة بالله والتوكل عليه والتفويض إليه