يقتدى به ومرجعا يأوى إليه أهل عصره وأخضع له كل مخالف له واعترف له كل واحد بأنه إمام عصره وعالمه ومجتهده ولم يضره ما كان يناله به المخالفون له من الغيبة التي هي غاية ما يقدرون عليه ونهاية ما يبلعون إليه
وإني أخبرك أيها الطالب عن نفسي وعن الحوادث الجارية بيني وبين أهل عصري ليزداد يقينك وتكون على بصيرة فيما أرشدتك إليه اعلم أني كنت عند شروعي في الطلب على الصفة التي ذكرتها لك سابقا ثم كنت بعد التمكن من البحث عن الدليل والنظر في مجاميعه أذكر في مجالس شيوخي ومواقف تدريسهم وعند الاجتماع بأهل العلم ما قد عرفته من ذلك لا سيما عند الكلام في شئ من الرأي مخالف الدليل أو عند ورود قول عالم من أهل العلم قد تمسك بدليل ضعيف وترك الدليل القوي أو أخذ بدليل عام وبعمل خاص أو بمطلق وطرح المقيد أو بمجمل ولم يعرف المبين أو بمنسوخ ولم ينتبه للناسخ أو بأول ولم يعرف بآخر أو بمحض رأي ولم يبلغه أن في تلك المسألة دليلا يتعين عليه العمل به فكنت إذا سمعت بشيء من هذا لا سيما في مواقف المتعصبين ومجامع الجامدين تكلمت بما بلغت إليه مقدرتي وأقل الأحوال أن أقول استدل هذا بكذا وفلان المخالف له بكذا ودليل فلان أرجح لكذا فمازال أسراء التقليد يستنكرون ذلك ويستعظمونه لعدم الفهم به وقبول طبائعهم له حتى ولد ذلك في قلوبهم من العداوة والبغضاء ما الله به عليم
ثم كنت إذا فرغت من أخذ فن من الفنون أو مصنف من المصنفات على شيوخي أقبل جماعة من الطلبة إلي وعولوا علي في تدريسهم في ذلك
فكان يأخذ أترابي شيئا من الحسد الذي لا يخلو عنه إلا القليل
ثم تكاثر الطلبة علي في علوم الاجتهاد وغيرها وأخذوا عني أخذا خاليا عن التعصب سالما من الاعتساف فكنت أقرر لهم دليل كل مسألة وأوضح