قلت لا مطمع إلا بتوفيق الله وهدايته فإنه إذا أراد أمرا يسر أسبابه وسهل طرائقه
وأحسن ما يستعمله العالم مع هؤلاء ترغيبهم في العلم وتعظيم أمره والإكثار من مدح علوم الاجتهاد وأن بها يعرف أهل العلم الحق من الباطل ويميزون الصواب من الخطأ وأن مجرد التقليد ليس من العلم الذي ينبغي عد صاحبه من جملة أهل العلم لان كل مقلد يقر على نفسه بأنه لا يعقل حجج الله ولا يفهم ما شرعه لعباده في كتابه وعلى لسان رسوله وأن من ظفر من طلبه وفاز من كده ونصبه لمجرد اتباع فرد من أفراد علماء هذه الأمة وتقليده وقبول قوله دون حجته فلم يظفر بطائل ولا نال حظا
فإن بقى في من كان من هذه الطبقة من علو الهمة وحظ من شرف النفس وقسط من الرغبة في نيل ما هو أعلى مناقب الدنيا والآخرة فقد تميل نفسه إلى العلم بعض الميل فيأخذ من علوم الاجتهاد بنصيب ويفهم بعض الفهم فيعرف أنه كان معللا لنفسه بما لا يسمن ولا يغني من جوع ومشتغلا بما لا يرتقى به إلى شئ من درجات العلم
فهذا الدواء لأهل هذه الطبقة من أنفع الأدوية وهو لا يؤثر بعض التأثير إلا مع كون ذلك المخاطب له بعض استعداد للفهم وعنده إدراك وهو القليل
وأما من كان لا يفهم شيئا فيه من علوم الاجتهاد وإن أجهد نفسه وأطال عناها وأعظم كدها كما هو الغالب على أهل هذه الطبقة فإنهم إذا استفرغوا وسعهم في علم الرأي وأنفقوا في الاشتغال به شطرا من أعمارهم وسكنت أنفسهم إلى التقليد سكونا تاما وقبلته قبولا كليا لم تبق بقية لفهم شئ من العلوم
وقد شاهدنا من هذا الجنس من لا يأتي عليه الحصر قد تقتضيه في بعض الأحوال رغبة تجذبه إلى النظر في علم النحو فلا يفهمه قط فضلا عن سائر