لا يخفى عليهم من أحوال الرواة شيء ولا يلتبس عليهم ما كان فيه من خير وشر وجرح وتعديل ويتركون من وجدوا في حفظه أدنى ضعف أو كان به أقل تساهل أو أحقر ما يوجب الجرح
وبالجملة فمن عرف الفنون وأهلها معرفة صحيحة لم يبق عنده شك أن اشتغال أهل الحديث بفنهم لا يساويه اشتغال سائر أهل الفنون بفنونهم ولا يقاربه بل لا يعد بالنسبة إليه كثير شيء فإن طالب الحديث لا يكاد يبلغ من هذا الفن بعض ما يريده إلا بعد أن يفنى صباه وشبابه وكهولته وشيخوخته فيه ويطوف الأقطار ويستغرق بالسماع والكتب الليل والنهار ونحن نجد الرجل يشتغل بفن من تلك الفنون العام والعامين والثلاثة فيكون معدودا من محققي أهله ومتقنيهم
فما بالكم أيها المقلدة إذا أردتم الرجوع إلى فن السنة لم تصنعوا فيه كما تصنعونه في غيره من الرجوع إلى أهل الفن وعدم الاعتداد بغيرهم وهل هذا منكم إلا التعصب البحت والتعسف الخالص والتحكم الصرف فهلا صنعتم في هذا الفن الذي هو رأس الفنون وأشرفها كما صنعتم في غيره فرجعتم إلى أهله وتركتم ما تجدونه مما يخالف ذلك في مؤلفات المشتغلين بالفقه الذين لا يفرقون بين أصح الصحيح وأكذب الكذب كما يعرف ذلك من يعرف نصيبا من العلم وحظا من العرفان
ومن أراد الوقوف على حقيقة هذا فلينظر مؤلفات جماعة هم في الفقه بأعلى رتبة مع التبحر في فنون كثيرة كالجويني والغزالي