العجب إذا وقف على مؤلفاتهم ومع ذلك فهم لا يشعرون بما هم فيه من الخطأ والخطل والزلل وهم الموقعون لأنفسهم في هذه الورطة بعدم رجوعهم في هذا الفن بخصوصه إلى أهله المشتغلين به كما يرجعون إلى أهل سائر الفنون عند احتياجهم إلى مسألة من مسائله
ولست أظن سبب تخصيصهم لهذا الفن الشريف الجليل بعدم الرجوع إلى أهله دون غيره إلا ما يجده الشيطان في تزيين مثل ذلك لهم من المحال في الدين وإثبات الأحكام الشرعية بالأكاذيب المختلفة وإغفال كثير من مهمات الدين لعدم علم المتكلمين في الفقه بأدلتها
وأنت لا يخفى علك بعد هذا أن إنصاف الرجل لا يتم حتى يأخذ كل فن عن أهله كائنا ما كان فإنه لو ذهب العلم الذي قد تأهل للاجتهاد يأخذ مثلا الحديث عن أهله ثم يريد أن يأخذ ما يتعلق بتفسيره في اللغة عنهم كان مخطئا في أخذ المدلول اللغوي عنهم وهكذا أخذ المعنى الإعرابي عنهم فإنه خطأ بل يأخذ الحديث عن أئمته بعد أن يكشف عن سنده وحال رواته ثم إذا احتاج إلى معرفة ما يتعلق بذلك الحديث من الغريب رجع إلى الكتب المدونة في غريب الحديث وكذا سائر كتب اللغة المدونة في الغريب وغيره
وإذا احتاج إلى معرفة بنية كلماته رجع إلى علم الصرف وإذا احتاج إلى معرفة إعراب أواخر كلمة رجع إلى علم النحو وإذا أراد الاطلاع على ما في ذلك الحديث من دقائق العربية وأسرارها رجع إلى علم المعاني والبيان وإذا أراد أن يسلك طريقة الجمع والترجيح بينه وبين غيره رجع إلى علل أصول الفقه
فالعالم إذا صنع ظفر بالحق من أبوابه ودخل إلى الإنصاف بأقوى أسبابه
وأما أخذ العلم عن غير أهله ورجح ما يجده من الكلام لأهل العلم في فنون ليسوا من أهلها وأعرض من كلام أهلها فإنه يخبط ويخلط ويأتي من الأقوال والترجيحات بما هو في أبعد درجات الإتقان وهو حقيق بذلك فإن من ذهب يقلد أهل علم الفقه فيما ينقلونه من أحاديث الأحكام ولم يعتد