للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحديث ومصطلحه، وعلوم اللغة المختلفة.

ولم يكتف بالاطلاع على العلوم الشرعية والتمكن منها، بل قرأ العلوم الفلسفية الشائعة في ذلك الوقت، كالمنطق، والطبيعة، والرياضة، والميتافيزيقا، وقد بلغ مرتبة من التفوق المبكر جعلته يفتي وهو في العشرين من عمره، وكان لفتاويه تأثير واضح جعل الكثير من أهل صنعاء، بل وغيرهم من أهالي المدن المجاورة، يستفتونه في مختلف شئون الدين.

ورغم أن الشوكاني كان قد تلقى الفقه على مذهب الإمام زيد بن علي، إلا أنه لم يلبث أن تخلى عن التقليد والتمذهب، وأصبح لا يتقيد بفرقة من الفرق أو مذهب من المذاهب، بل اعتمد اعتمادًا مباشرًا على الكتاب والسنة، وأصبح من المجتهدين في البحث عن الحكم الشرعي والرأى العقائدي من خلال الأدلة والبراهين لا من طريق التقليد والتلقين. وقد وصل إلى هذه المرتبة وهو بعد لم يتخط الثلاثين من عمره.

وظل مكبًا على تحصيل العلم ونشره، مركزًا كل اهتمامه في مجالسة أهل العلم والأدب وملاقاتهم، والاستفادة منهم، وإفادتهم. وكان نزيهًا، متحليًا بصفات الاحترام والاعتزاز بالنفس؛ حتى كان منعزلًا عن المشتغلين بالمناصب العليا، ولم يحاول أن يتمسح بقاض، ولا أن يتملق أميرًا. بل كان يجهر بالحق، ويدعو إلى الاجتهاد، وينهى عن التقليد، لا يخشى في ذلك لومة لائم، ولا تجنى حسود.

وكان شيئا منطقيًا أن يتولى بعد ذلك القضاء، وهو في السادسة والثلاثين من عمره؛ فهو العالم المجتهد، والرجل النزيه، والداعية الصادق. وظل متوليًا لمنصب القضاء العام، حتى جمع بينه وبين الوزارة معًا؛ فأصبح مسئولا مسئولية مباشرة عن كل شئون اليمن الداخلية والخارجية؛ فحكم بين الناس بالعدل، وأعطى كل ذي حق حقه، ولم يدخر جهدًا في تحسين أحوال بلده وفي رفع مستوى أهلها العلمي والثقافى، حتى انتقل إلى رحاب ربه في سنة

<<  <   >  >>