للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتلبينة تطبخ منه مطحونًا، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن، وقد تقدم أن للعادات تأثيرًا في الانتفاع بالأدوية والأغذية، وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحونًا لا صحاحًا، وهو أكثر تغذية، وأقوى فعلاً، وأعظم جلاء، وإنما اتخذه أطباء المدن منه صحاحًا ليكون أرق وألطف، فلا يثقل على طبيعة المريض، وهذا بحسب طبائع أهل المدن ورخاوتها، وثقل ماء الشعير المطحون عليها. والمقصود: أن ماء الشعير مطبوخًا صحاحًا ينفذ سريعًا، ويجلو جلاء ظاهرًا، ويغذي غذاءً لطيفًا، وإذا شرب حارًّا كان جلاؤه أقوى، ونفوذه أسرع، وإنماؤه للحرارة الغريزية أكثر، وتلميسه لسطوح المعدة أوفق.

وقوله -صلى الله عليه وسلم- فيها: «مجمة لفؤاد المريض» يروى بوجهين: بفتح الميم والجيم، وبضم الميم، وكسر الجيم، والأول أشهر، ومعناه: أنها مريحة له، أي تريحه وتسكنه من الإجمام، وهو الراحة. وقوله: «تذهب ببعض الحزن» هذا - واللَّه أعلم - لأن الغم والحزن يبردان المزاج، ويضعفان الحرارة الغريزية لميل الروح الحامل لها إلى جهة القلب الذي هو منشؤها، وهذا الحساء يقوي الحرارة الغريزية بزيادته في مادتها، فتزيل أكثر ما عرض له من الغم والحزن.

وقد يقال - وهو أقرب - إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح

<<  <   >  >>