واعلم أن مثل معيشة، ومصيبة، فالياء فيهما في موضع الحركة، لأنها من الفعل مفعُلة، ومفعِلة لكن الكسرة استثقلت فيها فنقلت إلى ما قبلها حملاً على الفعل لكونهما مصدراً واسم فاعل، والقياس في جمعها تصحيح حرف العلة، وترك الإبدال منه، إذ كان يهمز في الجمع ما كان مدةً في الواحد لا عيناً، نحو: عجوز وعجائز، وصحيفة وصحائف، ورسالة ورسائل، فتكون معايش جمع معيشة، ومصاوب جمع مصيبة، فأما قولهم: مصائب فمما شذ عن القياس، وإن كثر في الاستعمال، كأنهم توهموها فعيلة.
واعلم أن فاعل في هذا الباب، وتفاعل، وتفعَّل، وفعَّل، وافعلَّ، وافعالَّ، ومصادرها، كلها تصح لانفتاح حرف العلة فيها وسكون ما قبلها.
واعلم أن الواو تنقلب إلى الياء في هذا الباب كثيراً، فمن ذلك: حلَت حِيالاً، وصامت صياماً، والأصل: صواماً، وحوالاً، لكنه لما انكسر ما قبل الواو، واعتل الفعل، تبعه المصدر في الاعتلال، ولو سلم الفعل لسلم المصدر أيضاً، ألا ترى أنك تقول: جاورته جِواراً، ولاوذته لواذاً، ومما قلب: سوط وسياط، لما سكن الواو في الواحد وضعف، وقع بعده في الجمع ألف قريبة من الطرف، قلبت ياء لانكسار ما قبله، ولو تحرك الواو في الواحد، كطويل وطوال ولم يكن بعد ألف في الجمع كعود وعِوَدة لسلم.
وإذا انقلبت الواو في الواحدة انقلبت في الجمع نحو: ديمة وديَم، ومثل هذا في القرب والبعد: سيايد في جمع سيّد، ودياوير في جمع دَيَّار، ومثله ما تبع الواحد في الاعتلال: صائم وصيَّم، وقائم وقيَّم، وهذا لقربه من الطرف، ألا ترى أنه لو بعد لصح، ونحو: قوَّام وصوَّام، وإذا اجتمع واو وياء فأيهما سبق الآخر بالسكون يقلب بالواو ياء، ثم يدغم الأول في الثاني، على ذلك: سيِّد وهيِّن، وديَّار، وقيَّام، وكيَّة، وليَّة، ومرميّ، ومقضيّ، فاعلمه.
فإن قيل: فلم قلت: تغازيت، وتعاطيت، ومستقبله لا ينكسر عينه، قلت: هذا مبني على عاطى، وغازى، لأن التاء دخل عليهما فاستمرا على ما كان، ومثل هذا حملهم مستقبل شقيَ، ورضيَ، على الماضي في القلب إلى الياء فقالوا: هما يرضيان، ويشقيان، لما قالوا: رضيت، وشقيت، فتقدير: صلَّى يصلِّي، فعَّل يفعِّل، والأصل: يصلي، وكذلك أعطى يعطي، وقد تقدم القول في أن أفعل الأصل في مستقبله أن يجيء: يُأفعِل، على زنة: دحرج يدحرج، فكما يقال: يدحرج، يجب أن يقال: يُأفعِل، والماضي من هذه الأبنية التي ذكرناها انقلب آخره لتحركه وانفتاح ما قبله، كما مثلت في: أعطى، وصلَّى.
فما الفعل من الحوَّة والقوَّة، فحوي وقوي، يصح الأول من حرفي العلة فيه لئلا يتوالى إعلالان، فتختل الكلمة، وعلى ذلك تقول في الحوَّة: احْواوى يحْواوي احْويواء، هكذا حكاه الأصمعي، وذهب النحويون في مصدره إلى أنه يقال: احْوياء، ولأن الواو والياء إذا اجتمعا فأيهما سبق الآخر بالسكون يقلب الواو ياء ويدغم الأول في الثاني، وقياس ما حكاه الأصمعي أنه صحح المصدر لصحة الفعل، وقد يتفق في هذا الباب موافقة فعل الواحدة من المؤنث فعل الجمع منها في اللفظ، تقول: أنتِ تصلِّين، وهو من الفعل تفعِّلين، كان الأصل: تصليين، فاستثقلت الكسرة في الياء وقبلها كسرة فأسكنوها، فالتقى ساكنان فحذفت الياء الأولى لالتقائهما فصار تصلين، والياء في تصلين ضمير الفاعل، والنون علامة الرفع، وتقول في الجمع: أنتن تصلِّين، هذا من الفعل: تفعّلن، وهو على أصله، فالياء لام الفعل، والنون ضمير الفاعلات، فاعتبر كل ما وافق لفظ الواحدة فيه لفظ الجمع بهذا، وقدَّره بالصحيح، فاعلمه.
واعلم أنه لا يكون اسم آخره واو وما قبله مضموم، ولهذا قلبوا: أدْلٍ، وأحقٍ، وهما جمع: دلوٍ، وحقوٍ، بلى، قد جاء في الأفعال نحو: يغزو، ويدنو، وهذا كاستثقالهم الواوين في الجمع وقلبهم لها ياء نحو: عصيّ، وجثيّ، ويدل على استثقالهم لمكان الجمع أنه لو كانتا في الواحد لصحتا، وذلك كقولهم: عتا عتوّاً، ومن العرب من يقلب في المصدر أيضاً، على ذلك قوله تعالى:) أيهم أشدُّ على الرَّحمن عتيَّا (.