فهو حكم الله تعالى في حقه، علم بالضرورة أن ذلك حكم الله تعالى في حقه، فهذا وأمثاله علم بأحكام شرعية عملية مكتسب لكن لا من أدلة تفصيلية بل من دليل إجمالي، فإن المقلد لم يستدل على كل مسألة بدليل مفصل يخصها بل بدليل واحد يعم جميع المسائل هكذا قاله الإمام في المحصول وغيره وتابعه عليه صاحب الحاصل وصاحب التحصيل، وفي الحد نظر من وجوه: أحدها: أن تعريف الفقه بأنه العلم يقتضي أن يكون أصول الفقه هو أدلة العلم بالأحكام لا أدلة الأحكام نفسها، وهو باطل لأنه قد تقدم أن الأصول معرفة دلائل الفقه لا معرفة دلائل العلم بالفقه ولأن مدلول الدليل هو الحكم لا العلم بالحكم. والثاني أنه لا يخلوا إما أن يريد بالعملية عمل الجوارح أو ما هو أعم منها ومن عمل القلوب. فإن أراد الأول ورد عليه إيجاب النية وتحريم الرياء والحسد وغيرهما فإنها من الفقه بالقلب، ولو قال الفرعية كما قاله الآمدي وابن الحاجب لكان يخلص من الاعتراض. "الثالث أن العام يطلق ويراد به الاعتقاد الجازم المطابق لدليل كما ستقف عليه وهذا هو المصطلح عليه، ويطلق ويراد به ما هو أعم من هذا وهو الشعور فإن أراد الأول لم يحسن الاحتراز عن المقلد بقوله من أدلتها التفصيلية لعدم دخوله في الحد لأن ما عند المقلد يسمى تقليدا لا علما، وإن أراد الثاني لم يرد سؤال القاضي المذكور عقب هذا في قوله: "قيل الفقه من باب الظنون"، الرابع: أن هذا الحديث ليس بمانع لأن تصور الأحكام الشرعية إلخ يصدق عليه أنه علم بها إذ العلم منقسم إلى تصور وتصديق ومع ذلك فليس بفقه بل الفقه العلم التصديقي لا العلم التصوري قال: "قيل الفقه من باب الظنون".
قلنا: "المجتهد إذا ظن الحكم وجب عليه الفتوى، والعمل به الدليل القاطع على وجوب اتباع الظن، فالحكم مقطوع به والظن في طريقه" أقول هذا اعتراف على حد الفقه وأورده القاضي أبو بكر الباقلاني وتقريره موقوف على مقدمة، وهو أن الحكم بأمر على أمر إن كان جازما مطابقا لدليل فهو العلم، كعلمنا بأن الإله واحد، وإن كان جازما مطابقا لغير دليل فهو التقليد كاعتقاد العامي أن الضحى سنة، وإن كان جازمًا غير مطابق فهو الجهل كاعتقاد الكفار ما كفرناهم به، وإن لم يكن جازما نظر إن لم يترجح أحد الطرفين فهو الشك، وإن ترجح فالطرف الراجح ظن المرجوح، وهم، إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تقرير السؤال فنقول الفقه مستفاد من الأدلة السمعية فيكون مظنونا، وذلك لأن الأدلة السمعية إن كان مختلفا فيها كالاستصحاب فهي لا تفيد إلا الظن عند القائل بها، والمتفق عليها بين الأئمة هو الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فأما القياس فواضح كونه لا يفيد إلا الظن، وأما الإجماع فإن وصل إلينا بالآحاد فكذلك، ووصوله بالتواتر قليل جدا، وبتقديره فقد صحح الإمام في المحصول والآمدي في الأحكام ومنتهى السول أنه ظني، وأما السنة فالآحاد منها لا تفيد إلا الظن، وأما المتواتر فهو كالقرآن متنه قطعي ودلالته ظنية لتوقفه على نفي الاحتمالات