قال:"الخامسة: المجاز خلاف الأصل لاحتياجه إلى الوضع الأول والمناسبة والنقل, ولإخلاله بالفهم, فإن غلب كالطلاق تساويا, والأولى الحقيقة عند أبي حنيفة, والمجاز عند أبي يوسف رضي الله عنهما". أقول: الأصل في الكلام هو الحقيقة حتى إذا تعارض المعنى الحقيقي والمجازي فالحقيقي أولى؛ لأن المجاز خلاف الأصل، والمراد بالأصل هنا إما الدليل، أو الغائب، والدليل عليه أمران أحدهما: أن المجاز إنما يتحقق عند نقل اللفظ من شيء إلى شيء لعلاقة بينهما، وذلك يستدعي أمورا ثلاثة: الوضع الأول والمناسبة والنقل، وأما الحقيقة فإنه يكفي فيها أمر واحد وهو الوضع الأول, وما يتوقف على شيء واحد أغلب وجودا مما يتوقف على ذلك الشيء مع شيئين آخرين, وقد أهمل المصنف الاستعمال ولا بد منه فيهما. الثاني: أن المجاز يخلى بالفهم، وتقريره من وجهين أحدهما: أن الحمل على المجاز يتوقف على القرينة الحالية أو المقالية، وقد تخفى هذه القرينة على السامع, فيحمل اللفظ على المعنى الحقيقي مع أن المراد هو المجازي, معاني أن اللفظ إذا تجرد عن القرينة فلا جائز أن يحمل على المجاز لعدم القرينة ولا على الحقيقة؛ لأنه يلزم الترجيح بلا مرجح؛ لأن المجاز والحقيقة متساويان على هذا التقدير، وقد نص عليه في المحصول كما سأذكره في أثناء هذه المسألة، ولا عليهما معا للوقوع في الاشتراك فيلزم التوقف هو مخل بالفهم. قوله:"فإن غلب" أي: هذا فيما إذا لم يكن المجاز غالبا على الحقيقة, فإن غلب فقال أبو حنيفة: الحقيقة أولى لكونه حقيقة، وقال أبو يوسف: المجاز أولى لكونه غالبا, وقال القرافي في شرح التنقيح: وهو الحق؛ لأن الظهور هو المكلف به وفي المحصول