والمنتخب عن بعضهم أنهما يستويان فلا ينصرف لأحدهما إلا بالنية؛ لأن كل واحد راجح من وجه ومرجوح من وجه، وأسقطه صاحب الحاصل وجزم به الإمام في المعالم، ومثل له بالطلاق فقال: إنه حقيقة في اللغة في إزالة القيد سواء كان عن نكاح أو ملك يمين أو غيرهما, ثم اختص في العرف بإزالة قيد النكاح فلأجل ذلك إذا قال الرجل لأمته: أنت طالق لا تعتق إلا بالنية، ثم قال: فإن قيل: فيلزم أن لا يصرف إلى المجاز الراجح وهو إزالة قيد النكاح إلا بالنية وليس كذلك قال: فالجواب أنه إنما لم يحتج إلى النية؛ لأنا إن حملناه على المجاز الراجح وهو إزالة قيد النكاح فلا كلام، وإن حمل على الحقيقة المرجوحة وهو إزالة مسمى القيد من حيث هو فيلزم زوال قيد النكاح أيضا لحصول مسمى القيد فيه، فلا جرم أن أحد الطرفين في هذا المثال بخصوصه لم يحتج إلى النية بخلاف الطرف الآخر وقد تبع المصنف كلام المعالم في اختيار التساوي والتمثيل بالطلاق، ولم يذكرهما في المحصول ولا المنتخب، وههنا أمور مهمة أحدها: أنه لم يحرر محل النزاع وقد حرره الحنفية في كتبهم، فإن مرجع هذه المسألة إليهم ونقله عنهم القرافي أيضا، فقالوا: المجاز له أقسام أحدها: أن يكون مرجوحا لا يفهم إلا بقرينة كالأسد الشجاع, فلا إشكال في تقديم الحقيقة، وهذا واضح. الثاني: أن يغلب استعماله حتى يساوي الحقيقة, فقد اتفق أبو حنيفة وأبو يوسف على تقديم الحقيقة، ولا خلاف أيضا نحو النكاح فإنه يطلق على العقد والوطء إطلاقا متساويا مع أنه حقيقة في أحدهما, مجاز في الآخر, وجعل ابن التلمساني في شرح المعالم هذه الصورة محل النزاع قال: لأنه إجمالي عارض, فلا يتعين إلا بقرينة، وقد ذكر في المحصول هذه الصورة في المسألة السابعة من الباب التاسع وجزم بالمتساوي. الثالث: أن يكون راجحا والحقيقة مماتة لا تراد في العرف, فقد اتفقا على تقديم المجاز؛ لأنه إما حقيقة شرعية كالصلاة أو عرفية كالدابة ولا خلاف في تقديمها على الحقيقة اللغوية, مثاله: حلف لا يأكل من هذه النخلة فإنه يحنث بثمرها لا بخشبها وإن كان هو الحقيقة لأنها قد أميتت. الرابع: أن يكون راجحا والحقيقة تتعاهد في بعض الأوقات فهذا موضع الخلاف، كما قال: والله لأشربن من هذا النهر فهو حقيقة في الكرع من النهر بفيه، وإذا اغترف بالكوز وشرب فهو مجاز لأنه شرب من الكوز لا من النهر, لكنه المجاز الراجح المتبادر، والحقيقة قد تراد لأن كثيرا من الرعاة وغيرهم يكرع بفيه, وقال الأصفهاني في شرح المحصول: محل الخلاف أن يكون المجاز راجحا على الحقيقة بحيث يكون هو المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق كالمنقول الشرعي والعرفي, وورود اللفظ على غير الشرع وغير العرف, فأما إذا ورد من أحدهما فإنه يحمل على ما وضعه له. الأمر الثاني: أن الحكم بالتساوي الموجب للتوقف على القرينة مطلقا يستقيم إذا لم يكن المجاز من بعض أفراد الحقيقة كالراوية فإن كان فردا فلا, فإنه إذا قال القائل مثلا: ليس في الدار دابة فليس فيها حمار قطعا؛ لأنا إن حملنا