قال:"فرعان على التنزل: "الأول" شكر المنعم ليس بواجب عقلا, إذ لا تعذيب قبل الشرع لقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء: ١٥] ولأنه لو وجب لوجب إما لفائدة المشكور وهو منزه, أو للشاكر في الدنيا وإنه مشقة بلا حظ أو في الآخرة ولا استقلال للعقل بها، قيل: يدفع ظن الضرر الآجل قلنا: قد يتضمنه؛ لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه وكالاستهزاء لحقارة الدنيا بالقياس إلى كبريائه, ولأنه ربما لا يقع لائقا قيل: ينتقض بالوجوب الشرعي قلنا: إيجاب الشرع لا يستدعي فائدة" أقول: لما أبطل الأصحاب قاعدة التحسين والتقبيح العقليين لزم من إبطالها إبطال وجوب شكر المنعم عقلا, وإبطال حكم الأفعال الاختيارية قبل البعثة. قال في المحصول: لكن جرت عادة الأصحاب بعد ذلك أن يتنزلوا ويسلموا لهم صحة القاعدة ويبطلوا مع ذلك كلامهم في هذين الفرعين بخصوصهما لقيام الدليل على إبطال حكم العقل فيهما، وحاصله يرجع إلى تخصيص قاعدة الحسن والقبح العقليين بإخراج بعض أفرادها لمانع، كما وقع ذلك في القواعد السمعية، وقوله: على التنزيل أي: على الافتراض, وسمي بذلك لأن فيه تكلف الانتقال من مذهبنا الحق الذي هو المرتبة العليا إلى مذهبهم الباطل الذي هو في غاية الانخفاض.
"واعلم" أن المصنف قد أقام الدليل على إبطال حكم العقل في الفرع الأول، وأما الفرع الثاني فإنه أبطل أدلته فقط كما ستراه، ولا يلزم من إبطال الدليل المعين إبطال المدلول. "الفرع الأول": أن شكر المنعم لا يجب عقلا خلافا للمعتزلة والإمام فخر الدين في بعض كتبه الكلامية، وليس المراد بالشكر هو قول القائل: الحمد لله والشكر لله ونحوه, بل المراد به اجتناب المستخبثات العقلية، والإتيان بالمستحسنات