قال:"المسألة الثالثة: الإكراه الملجئ يمنع التكليف لزوال القدرة" أقول: الإكراه قد ينتهي إلى حد الإلجاء وهو الذي لا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار كالإلقاء من شاهق، وقد لا ينتهي إليه كما لو قيل له: إن لم تقتل هذا وإلا قتلتك، وعلم أنه إن لم يفعل وإلا قتله, فالأول يمنع التكليف أي: يفعل المكروه عليه, وبنقيضه قال في المحصول: لأن المكره عليه واجب الوقوع وضده ممتنع والتكليف بالواجب والممتنع محال, وهذا هو معنى قول المصنف: لزوال القدرة؛ لأن القادر على الشيء هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك، وهذا القسم لا خلاف فيه كما قال ابن التلمساني، وأما الثاني وهو غير الملجئ فمفهوم كلام المصنف أنه لا يمنع التكليف, قال ابن التلمساني: وهو مذهب أصحابنا لأن الفعل ممكن والفاعل متمكن، قال: وذهبت المعتزلة إلى أنه يمنع التكليف في عين المكروه عليه دون نقيضه، فإنهم يشترطون في المأمور به أن يكون بحال يثاب على فعله, وإذا أكره على عين المأمور به فالإتيان به لداعي الإكراه, لا لداعي الشرع فلا يثاب عليه فلا يصح التكليف به بخلاف ما إذا أتى بنقيض المكره عليه, فإنه أبلغ في إجابة داعي الشرع، وقال الغزالي: الآتي بالفعل مع الإكراه كمن أكره على أداء الزكاة مثلا, إن أتى به لداعي الشرع فهو صحيح أو لداعي الإكراه فلا, ورد القاضي على المعتزلة بالإجماع على تحريم القتل عند الإكراه عليه. قال إمام الحرمين: وهذه هفوة من القاضي لما تقدم، وفيما قال نظر؛ لأن القاضي إنما أورده عليهم من جهة أخرى وذلك أنهم منعوا أن المكره قادر على عين الفعل والمكره عليه فبين القاضي أنه قادر؛ وذلك لأنهم كلفوه بالضد. وعندهم أن الله تعالى لا يكلف العبد إلا بعد خلق القدرة له والقدرة عندهم على الشيء له قدرة على ضده, فإن كان قادرا على ترك القتل كان قادرا على القتل هذا كله كلام ابن التلمساني، وقد اختار الإمام الآمدي وأتباعهما التفصيل بين الملجئ وغيره، كما اختاره المصنف لكنهما لم يبينا محل الخلاف، وقد بينه ابن التلمساني كما تقدم.