" الكتاب الخامس: في دلائل اختلف فيها, وفيه بابان, الباب الأول: في المقبول وهي ستة الأول: الأصل في المنافع الإباحة لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ}[البقرة: ٢٩]{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ}[الأعراف: ٣٢]{أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}[المائدة: ٥] وفي المضار التحريم لقوله -عليه الصلاة والسلام: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" ١ قيل: على الأول اللام تجيء لغير النفع، كقوله تعالى:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}[الإسراء: ٧] وقوله: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ}[البقرة: ٢٨٤] قلنا: مجاز؛ لاتفاق أئمة اللغة على أنها للملك، ومعناه الاختصاص النافع بدليل قولهم: الجل للفرس. قيل: المراد الاستدلال. قلنا: هو حاصل من نفسه فيحمل على غيره". أقول: لما فرغ من الكتب الأربعة المعقودة للأدلة الأربعة المتفق عليها شرع في كتاب آخر لبيان الأدلة المختلف فيها، وجعله مشتملا على بابين, الأول: في المقبول منها، والثاني: في المردود، فأما المقبول فستة، الأول: الأصل في الأشياء النافعة هو الإباحة، وفي الأشياء الضارة أي: مؤلمات القلوب هو الحرمة، وهذا إنما هو بعد ورود الشرع بمقتضى الأدلة الشرعية، وأما قبل وروده فالمختار الوقوف كما تقدم، ثم استدل المصنف على إباحة المنافع بثلاث آيات: الآية الأولى: "قوله تعالى": {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} ووجه الدلالة أن البارئ تعالى أخبر بأن جميع المخلوقات الأرضية للعباد؛ لأن موضوعه للعموم، لا سيما وقد أكدت بقوله:{جَمِيعًا} واللام في {لَكُمْ} تفيد الاختصاص على جهة الانتفاع للمخاطبين، ألا ترى أنك إذا قلت: الثوب لزيد فإن معناه أنه مختص بنفعه, وحينئذ فيلزم من ذلك أن يكون الانتفاع بجميع المخلوقات مأذونا فيه شرعا وهو المدعي. الثانية:"قوله تعالى": {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} ووجه الدلالة أن هذا الاستفهام ليس على حقيقته بل هو للإنكار، وحينئذ فيكون البارئ تعالى قد أنكر تحريم الزينة التي يختص بنا الانتفاع بها لمقتضى اللام كما تقدم، وإنكار التحريم يقتضي انتفاء التحريم، وإلا لم يجز الإنكار، وإذا انتفت الحرمة تعينت الإباحة، وفيه نظر, فقد تقدم في أوائل الكتاب أن انتفاء الحرمة لا يوجب الإباحة. الآية الثالثة: قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} ووجه الدلالة أن اللام في {لَكُمْ} تدل على الطيبات مخصوصة بناء على جهة الانتفاع كما تقدم، وليس المراد بالطيبات هو المباحات، وإلا يلزم التكرار بل المراد بها ما تستطيعه النفس؛ لأن الأصل عدم معنى ثالث، وأما المضار فاستدل المصنف على تحريمها بقوله -عليه الصلاة والسلام:"لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" ووجه الدلالة أن الحديث يدل على نفي الضرر مطلقا؛ لأن النكرة المنفية تعم، وهذا النفي ليس واردا على الإمكان ولا الوقوع قطعا، بل على الجواز، وإذا انتفى الجواز ثبت التحريم وهو المدعى. قوله:"قيل: على الأول" أي: اعترض الخصم على بيان الأصل وهو إباحة المنافع بوجهين أحدهما: لا نسلم أن اللام في اللغة للاختصاص النافع, فإنها قد تجيء لغير النفع كقوله تعالى:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أما في الآية الأولى؛ فلأنها لاختصاص الضرر لا لاختصاص النفع، وأما في