قال:"الكتاب السابع: في الاجتهاد والإفتاء وفيه بابان، الأول: في الاجتهاد، وهو استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية، وفيه فصلان". أقول: الاجتهاد في اللغة عبارة عن استفراغ الوسع في تحصيل الشيء، ولا يستعمل إلا فيما فيه كلفة ومشقة, تقول: اجتهد في حمل الصخرة ولا تقول: اجتهدت في حمل النواة، وهو مأخوذ من الجهد -بفتح الجيم وضمها- وهو الطاقة، وفي الاصطلاح ما ذكره المصنف وسبقه إليه صاحب الحاصل. فقوله: استفراغ الجهد جنس, وقوله: في درك الأحكام به استفراغ في فعل من الأفعال، ودركها أعم من أن يكون على سبيل القطع أو الظن, وقوله: الشرعية خرج به اللغوية، والعقلية، والحسية، ودخل فيه الأصولية والفروعية، إلا أن يكون المراد بالأحكام الشرعية ما تقدم في أول الكتاب، وهو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير، فإنه لا يدخل فيه الاجتهاد في المسائل الأصولية، وقال بعضهم: الاجتهاد -اصطلاحا- هو استفراغ الجهد في طلب شيء من الأحكام على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه. وهذا أعم من تعريف المصنف؛ لأنه يدخل فيه الاجتهاد في العلوم اللغوية وغيرها، لكن فيه تكرار، فإن استفراغ الجهد مغنٍ عن ذكر العجز عن الزيادة. وقال ابن الحاجب: هو استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي وفيه نظر؛ لما سيأتي من عدم اشتراط الفقه للمجتهد، وقال في المحصول: الاجتهاد في عرف الفقهاء هو استفراغ الوسع في النظر فيما لا يلحقه فيه لوم مع استفراغ الوسع فيه، وهذا الحد فاسد لاشتماله على التكرار، ولأنه يدخل فيه ما ليس باجتهاد في عرف الفقهاء كالاجتهاد في العلوم اللغوية والعقلية والحسية، وفي الأمور العرفية, وفي الاجتهاد في قيم المتلفات وأروش الجنايات، وجهة القبلة، وطهارة الأواني والثياب. واعلم أن تعريف الاجتهاد يعرف منه تعريف المجتهد، والمجتهد فيه، فالمجتهد هو المستفرغ وسعه في درك الأحكام الشرعية، والمجتهد فيه كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي، كذا قاله