قال:"الفصل التاسع: في كيفية الاستدلال بالألفاظ وفيه مسائل: الأولى: لا يخاطبنا الله تعالى بالمهمل؛ لأنه هذيان، احتجت الحشوية بأوائل السور قلنا: أسماؤها وبأن الوقف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} واجب، وإلا لاختص المعطوف بالحال قلنا: يجوز حيث لا لبس مثل: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً}[الأنبياء: ٧٢] وبقوله تعالى: {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات: ٦٥] قلنا: مثل في الاستقباح الثانية لا يغني خلاف الظاهر من غير بيان؛ لأن اللفظ بالنسبة إليه مهمل, قالت المرجئة: يفيد إحجاما قلنا: حينئذ يرتفع الوثوق عن قوله تعالى". أقول: الاستدلال بالألفاظ يتوقف على معرفة كيفية الاستدلال من كونه بطريق المنطوق أو المفهوم؛ فلذلك عقد المصنف هذا الفصل لبيانه وذكر فيه سبع مسائل. ثم إن بيان ذلك يتوقف على أنه تعالى لا يجوز أن يخاطبنا بالمهمل ولا بما يخالف الظاهر؛ لأنه لو كان جائزا لتعذر الاستدلال بالألفاظ على الحكم فبدأ بهما لكونهما كالمقدمة, المسألة الأولى: لا يجوز أن يخاطبنا الله تعالى بالمهمل؛ لأنه هذيان وهو نقص والنقص على الله تعالى محال. وعبارة المحصول: لا يجوز أن يتكلم بشيء ولا يعني به شيئا وهو قريب من عبارة المصنف وعبارة المنتخب والحاصل بما لا يفيد، وبينهما فرق لأن عدم الفائدة قد لا يكون لإهماله بل لعدم فهمنا. وقد صرح ابن برهان بجواز هذا فقال: يجوز أن يشتمل كلام الله تعالى على ما لا يفهم معناه إلا أن يتعلق به تكليف فإنه لا يجوز. والصواب في التعبير ما ذكره في المحصول واقتضاه كلام المصنف, وقد صرح به أيضا عبد الجبار في العمد وأبو الحسين في شرحه له، واستدلا للخصم بأن فائدته التعبد بتلاوته, قال في المحصول: وحكم الرسول في الامتناع كحكم الله تعالى، قال الأصفهاني في شرحه له: لا أعلم أحدا ذكر ذلك ولا يلزم من كون الشيء نقصا في حق الله أن يكون نقصا في حق الرسول، فإن السهو والنسيان جائزان على الأنبياء. قوله:"احتجت الحشوية" أي: على جوازه بثلاثة أوجه, الأول: أوردوه في القرآن في أوائل كثير من السور نحو: {الم} و {طه} وجوابه: أن لها معاني, ولكن اختلف المفسرون فيها على أقوال كثيرة, والحق فيها أنها أسماء للسور. الثاني: قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} الآية, ووجه الدلالة أنه يجب الوقف على قوله:{إِلَّا اللَّهُ} وحينئذ فيكون الراسخون مبتدأ ويقولون خبرا عنه، وإذا وجب الوقف عليه ثبت أن في القرآن شيئا لا يعلم تأويله إلا الله وقد خاطبنا به وهذا هو المدعى، وإنما قلنا: يجب الوقف عليه لأنه لو لم يجب لكان الراسخون معطوفا عليه حينئذ, فيتعين أن يكون قوله تعالى