{يَقُولُونَ} جملة حالية بأن قائلين, ولا يجوز أن يكون حالا من المعطوف والمعطوف عليه لامتناع أن يقول الله تعالى: آمنا به، فيكون حالا من المعطوف فقط، وهو خلاف الأصل؛ لأن الأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في المتعلقات، وإذا انتفى هذا تعين ما قلناه وهذا الدليل لا يطابق دعوى المصنف؛ لأنه يقتضي أن الخلاف في الخطاب بلفظ له معنى لا نفهمه، ودعواه أولا في المهمل، وأجاب المصنف بأنه إنما يمتنع تخصيص المعطوف بالحال إذا لم تقم قرينة تدل عليه, أما إذا قدمت قرينة تدفع اللبس فلا بأس كقوله تعالى:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً}[الأنبياء: ٧٢] فإن {نَافِلَةً} حال من يعقوب خاصة لأن النافلة ولد الولد, وما نحن فيه كذلك؛ لأن العقل قاضٍ بأن الله تعالى لا يقول: آمنا به. الثالث: قوله تعالى: {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِين}[الصافات: ٦٥] فإن هذا التشبيه إنما يفيد أن لو علمنا رءوس الشياطين ونحن لا نعلمها، والجواب أنه معلوم للعرب فإنه مثل في الاستقباح متداول بينهم؛ لأنهم يتخيلونه قبيحا. وهذا أيضا لا يطابق الدعوى لما تقدم. "فائدة": اختلف في الحشوية فقيل بإسكان الشين؛ لأن منهم المجسمة، والجسم محشو، والمشهور أنه بفتحها نسبة إلى الحشا؛ لأنهم كانوا يجلسون أمام الحسن البصري في حلقته، فوجد كلامهم رديئا، فقال: ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة أي: جانبها, والجانب يسمى حشا ومنه الأحشاء لجوانب البطن. المسألة الثانية: يجوز أن يريد الله تعالى بكلامه خلاف ظاهره, إذا كان هناك قرينة يحصل بها البيان كآيات التشبيه ولا يجوز، أو يعني خلاف الظاهر من غير بيان؛ لأن اللفظ بالنسبة إلى ذلك المعنى المراد مهمل لعدم إشعاره به، والخلاف فيه مع المرجئة فإنهم يقولون: إنه تعالى لا يعاقب أحدا من المسلمين، ولا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة، قالوا: وأما الآيات والأخبار الدالة على العقاب فليس المراد ظاهرها, بل المراد بها التخويف, وفائدته الإحجام عن المعاصي، وأجاب المصنف بالمعارضة وهو أن فتح هذا الباب يرفع الوثوق عن أقوال الله تعالى وأقوال رسوله، إذ ما من خطاب إلا ويحتمل أن يراد به غير ظاهره, وأيضا فالإحجام إنما يكون عند العقاب، ولا عقاب, وهذه المسألة معرفتها تتوقف على معرفة مذهب المرجئة ومعرفة استدلالهم, وقد أشار إليه المصنف إشارة بعيدة، وتفصيله ما قلناه، وأما الأوامر والنواهي فلا خلاف فيها كما قال الأصفهاني في شرح المحصول ولم يذكر ابن الحاجب هذه ولا التي قبلها, والمرجئة -كما قال الجوهري- مشتقة من الإرجاء وهو التأخير, قال الله تعالى:{أَرْجِهْ وَأَخَاهُ}[الشعراء: ٣٦] أي: أخره فسموه بذلك؛ لأنهم لم يجعلوا الأعمال سببا لوقوع العذاب ولا لسقوطه, بل أرجوها أي: أخروها وأدحضوها.
قال: "الثالثة: الخطاب إما أن يدل على الحكم بمنطوقه فيحمل على الشرعي ثم العرفي ثم اللغوي ثم المجاز أو بمفهومه, وهو إما أن يلزم عن مفرد يتوقف عليه عقلا أو