شرعا، مثل: ارم وأعتق عبدك عني, ويسمى اقتضاء, أو مركب موافق وهو فحوى الخطاب كدلالة تحريم التأفيف على تحريم الضرب وجواز المباشرة إلى الصبح على جواز الصوم جنبا, أو مخالف كلزوم نفي الحكم عما عدا المذكور، ويسمى دليل الخطاب". أقول: المسألة الثالثة: في كيفية دلالة الخطاب على الحكم وتقديم بعض المدلولات على البعض، اعلم أن الدلالة قد تكون بالمنطوق، وقد تكون بالمفهوم. قال ابن الحاجب: المنطوق هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق، والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق كما سيأتي بيانه، الأول: أن يدل اللفظ بمنطوقه وهو المسمى بالدلالة اللفظية فيحمل أولا على الحقيقة الشرعية؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث لبيان الشرعيات، فإن لم يكن له حقيقة شرعية أو كان ولم يمكن الحمل عليها على الحقيقة العرفية الموجودة في عهده -عليه الصلاة والسلام- لأنه المتبادر إلى الفهم، فإن تعذر حمل على الحقيقة اللغوية. وهذا إذا كثر استعمال الشرعي والعرفي بحيث صار يسبق أحدهما دون اللغوي، فإن لم يكن فإنه مشترك لا يترجح إلا بقرينة قاله في المحصول, ولقائل أن يقول: من القواعد المشهورة عند الفقهاء أن ما ليس له ضابط في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف، وهذا يقتضي تأخير معرف عن اللغة فهل هو مخالف لكلام الأصوليين أو ليسا متواردين على محل واحد؟ فيه نظر يحتاج إلى تأمل. وذكر الآمدي في تعارض الحقيقة الشرعية واللغوية مذاهب أحدها هذا, وصححه ابن الحاجب. والثاني: يكون مجملا. والثالث قاله الغزالي: إن ورد في الإثبات حمل على الشرعي كقوله -عليه الصلاة والسلام: "إني إذًا أصوم" ١ فإنه إذا حمل على الشرعي دل على صحة الصوم بنية من النهار, وإن ورد في النهي كان مجملا كنهيه -عليه الصلاة والسلام- عن صوم يوم النحر، فإنه لو حمل على الشرعي دل على صحته لاستحالة النهي عما لا يتصور وقوعه، بخلاف ما إذا حمل على اللغوي. قال الآمدي: والمختار أنه إن ورد في الإثبات حمل على الشرعي؛ لأنه مبعوث لبيان الشرعيات, وإن ورد في النهي حمل على اللغوي لما قلناه من أن حمله على الشرعي يستلزم صحة بيع الخمر ونحوه ولا قائل به، وما ذكراه من أن النهي يستلزم الصحة قد أنكراه بعد ذلك وضعفا من قاله. فإن تعذرت الحقائق الثلاث حمل على المعنى المجازي صونا للكلام عن الإعمال, ويكون الترتيب في مجازات هذه الحقائق كالترتيب المذكور في الحقائق. الثاني: أن يدل الخطاب على الحكم بالمفهوم وهو المسمى بالدلالة المعنوية والدلالة الالتزامية، فتارة يكون اللازم مستفادا من معاني الألفاظ المفردة، وذلك بأن يكون شرطا للمعنى المدلول عليه بالمطابقة، وتارة لا يكون مستفادا من التركيب وذلك بأن لا يكون شرطا للمعنى المطابق بل تابعا له، فاللازم عن المفرد قد يكون العقل يقتضيه كقوله: ارم, فإنه يستلزم الأمر بتحصيل القوس والمرمى لأن العقل يحيل
١ أخرجه الإمام أحمد في مسنده بلفظ: "إني إذًا صائم" "٢/ ٢٥٧٨٦".