قال:"المسألة الرابعة: وجوب الشيء مطلقا يوجب وجوب ما لا يتم إلا به وكان مقدورا قيل: يوجب السبب دون الشرط وقيل: لا, فيهما لنا أن التكليف بالمشروط دون الشرط محال قيل: يختص بوقت وجود الشرط قلنا: خلاف الظاهر قيل: إيجاب المقدمة أيضا كذلك قلنا: لا, فإن اللفظ لم يدفعه" أقول: الأمر بالشيء هل يكون أمرا بما لا يتم ذلك الشيء إلا به, وهو المسمى بالمقدمة أم لا يكون أمرا به، حكى المصنف فيه ثلاثة مذاهب, أصحها الإمام وأتباعه وكذلك الآمدي أنه يجب مطلقا سواء كان سببا وهو الذي يلزم من جوده الوجود ومن عدمه العدم، أو شرطا وهو الذي يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، وسواء كان السبب شرعيا كالصيغة بالنسبة إلى العتق الواجب، أو عقليا كالنظر المحصل للعمل الواجب, أو عاديا كحز الرقبة بالنسبة إلى القتل الواجب، وسواء كان الشرط أيضا شرعيا كالوضوء مثلا أو عقليا، وهو الذي يكون لازما للمأمور به عقلا كترك أضداد المأمور به, أو عاديا أي لا ينفك عنه عادة كغسل جزء من الرأس في الوضوء، وإلى هذا كله أشار بقوله: وجوب الشيء يوجب وجوب ما لا يتم إلا به أي: التكليف بالشيء يقتضي التكليف بما لا يتم إلا به، فالوجوب الأول والأخير بمعنى التكليف، والوجوب الثاني بمعنى الاقتضاء. مثال ذلك: إذا قال السيد لعبده: ائتني بكذا من فوق السطح فلا يتأتى ذلك إلا بالمشي ونصب السلم, فالمشي سبب والنصب شرط، والمذهب الثاني: أنه يكون أمرا بالسبب دون الشرط؛ لأن وجود السبب يستلزم وجود المسبب بخلاف الشرط، والثالث: أنه لا يكون أمرا لا بالسبب ولا بالشرط، وإليه أشار بقوله: وقيل: لا فيهما, وإنما قيد بقوله: فيهما ولم يقل، وقيل: لا؛ لأن النفي المطلق يدخل فيه جزء الماهية لأنها لا تتم إلا به أيضا, ومع ذلك فهو واجب بلا خلاف فافهمه، ولا ذكر لهذا الثالث في كلام الآمدي، ولا كلام الإمام وأتباعه. نعم حكاه ابن الحاجب في المختصر الكبير, وإن كلامه في الصغير في أثناء الاستدلال يقتضي أن إيجاب السبب مجمع عليه، واختار -أعني ابن الحاجب- فيما عدا السبب أنه إذا كان شرطا شرعيا وجب وإن كان شرعيا كالعقل والعادي فلا، فإن قلنا بالوجوب فله شرطان ذكرهما المصنف، أحدهما: أن يكون الوجوب مطلقا أي: غير معلق على حصول ما يتوقف عليه فإن كان معلقا على حصوله كقوله: إن صعدت السطح ونصبت السلم فاسقني ماء, فإنه لا يكون مكلفا بالصعود ولا بالنصب بلا خلاف، بل إن اتفق حصول ذلك صار مكلفا بالسقي وإلا فلا، والشرط الثاني: أن يكون ما يتوقف عليه الواجب مقدورا للمكلف كما مثلناه, فإن لم يكن مقدورا له لم يجب عليه تحصيله، كإرادة الله تعالى لوقوعه؛ لأن فعل العبد لا يقع إلا بها، وكذلك أيضا الداعية على الفعل وهو العزم المصمم عليه, وبيانه: أن الفعل يتوقف وقوعه على سبب يسمى بالداعية، وإلا لكان وقوعه في وقت دون وقت ترجيحا من غير مرجح, وتلك الداعية مخلوقة لله تعالى لا قدرة للعبد عليها, إذ لو كانت من فعل العبد لانتقل الكلام إليها في وقوعه في وقت دون وقت فيلزم التسلسل، وهذا الاحتراز