قال:" الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ, وفيه مسائل, الأولى: الأكثر على جواز نسخ الكتاب بالسنة كنسخ الجلد في حق المحصن وبالعكس كنسخ القبلة, وللشافعي -رضي الله عنه- قول بخلافهما، دليله في الأول قوله تعالى:{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} ورد بأن السنة وحي أيضا. وفيهما قوله تعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}[النحل: ٤٤] وأجيب في الأول بأن النسخ بيان, وعُورض في الثاني بقوله:{تِبْيَانًا} ". أقول: المراد بالناسخ والمنسوخ بيان ما ينسخ وما ينسخ به من الأدلة, واعلم أنه يجوز نسخ الكتاب بالكتاب والسنة المتواترة بمثلها والآحاد بمثلها، وأما نسخ الكتاب بالسنة ونسخ السنة بالكتاب فالأكثرون على الجواز، ونص الشافعي في الرسالة على امتناعهما وهو مقتضى ما في المحصول في النقل عنه، فإنه نقل عدم الجواز في نسخ السنة بالقرآن, فيؤخذ منه العكس بطريق الأولى ونقل عنه إمام الحرمين والآمدي وابن الحاجب قولين في نسخ السنة بالكتاب، والجزمبامتناع العكس، وكلام المصنف مشعر بأن له في المسألتين قولين وهو غير معروف، فإن جوزنا فيشترط في السنة إذا كانت ناسخة أن تكون متواترة، وقد أوضحه المصنف في المسألة الآتية. فلذلك أهمله هنا ثم استدل المصنف على كون السنة المتواترة ناسخة للكتاب، بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رجم المحصن مع أن آية الرجم شاملة له, وفيه نظر من وجوه أحدها: لا نسلم أنه متواتر. وثانيها: أن هذا تخصيص لا نسخ، وقد ذكره المصنف بعينه مثالا لتخصيص الكتاب بالسنة. وثالثها: أن الرجم بالقرآن المنسوخ التلاوة، وهو الشيخ والشيخة المتقدم ذكره، واستدل أيضا على كون الكتاب ناسخا للسنة بأن التوجه إلى بيت المقدس كان ثابتا بالسنة، إذ ليس في القرآن ما يدل عليه، ثم إنه نسخ بقوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة: ١٤٤] ولك أن تقول: القاعدة أن بيان المجمل يعد أنه مراد منه وإلا لم يكن بيانا لمدلوله، فيكون توجه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس مرادا من قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} لكونه بيانا له, فيكون ثابتا بالكتاب. قوله:"دليله في الأول" أي: استدل الشافعي على امتناع نسخ الكتاب بالسنة من قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة: ١٠٦] فإنه يدل على أن الآتي بالخير أو المثل هو الله تعالى لرجوع الضمير إليه، وذلك لا يكون إلا إذا كان الناسخ هو القرآن ولهذا قال تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة: ١٠٦] فأشعر بأنه الآتي بالخير أو المثل أو المختص بكمال القدرة فلا يكون النسخ بالسنة، فإن الآتي بها هو الرسول، وأيضا فإنه يقتضي أن البدل يكون خيرا من الآية المنسوخة أو مثلا لها والسنة ليست كذلك، وجوابه أن السنة حاصلة بالوحي أيضا لقوله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[النجم: ٣] الآية, فالآتي بها هو الله تعالى، وأما الخير أو المثل فالمراد بهما هو الأصلح في التكليف, والأنفع في الثواب. قوله:"وفيهما" أي ودليل الشافعي في كل من المسألتين وهما نسخ الكتاب بالسنة وعكسه قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّن