تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة: ١٠٦] ودلت الآية على أنه لا بد من الإتيان بحكم هو خير من المنسوخ أو مثله، فدل على المدعي؛ أما الأول فواضح وأما الثاني فلأن الأثقل والأشق لا يكون خيرا للمكلف، وجوابه أن عدم الحكم قد يكون خيرا للمكلف من إثباته للمكلف في ذلك الوقت لمصلحة، وقد يكون الأثقل أيضا خيرا له باعتبار زيادة الثواب وأجاب في المحصول أيضا بأن نسخ الآية معناه نسخ لفظها؛ ولهذا قال:{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} . وقال ابن الحاجب: ولئن سلمنا فمدلول الآية لم يقع, فأين نفي الجواز؟ المسألة الخامسة: يجوز نسخ الحكم دون التلاوة كنسخ الاعتداد بالحول من قوله تعالى: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} وبالعكس كما روى الشافعي والترمذي وغيرهما عن عمر أنه قال: ومما أنزل الله تعالى في كتابه: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وذكر البخاري ومسلم قريبا منه أيضا، والمراد بالشيخ والشيخة المحصن والمحصنة، ويجوز نسخهما معا لما روى مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس، ولا يتم بما نقله المصنف عن عائشة وهو مطلق الإنزال، بل لا بد أن ينضم إليه كونه من القرآن كما قررناه لأن السنة أيضا منزلة. المسألة السادسة: لا نزاع في نسخ تلاوة الخبر ونسخ تكليفنا بالإخبار به. قال الآمدي: إلا إذا كان نسخه يوجب الإخبار بنقيضه وهو مما لا يحتمل التغير, كحدوث العالم "فإن المعتزلة تمنعه؛ لأن التكليف بالكذب قبيح، وعقلا عندنا أنه يجوز". وأما نسخ مدلول الخبر أي: إخراج بعض الأزمنة الداخلة فيه لا رفعه بالكلية كما نبه عليه في المحصول, فهو مسألة الكتاب، وحاصلها أنه إن كان مما لا يتغير فلا يجوز اتفاقا كما قاله الإمام والآمدي ولم يستثنه المصنف، وأما الذي يتغير فقال الإمام والآمدي: يجوز نسخه مطلقا، قالا: سواء كان ماضيا أو مستقبلا، أو وعدا أو وعيدا، وقال ابن الحاجب: لا يجوز مطلقا ونقله في المحصول عن أكثر المتقدمين، وفي الكتاب والحاصل عن أبي هاشم فقط، وقال المصنف: إن كان مدلوله مستقبلا جاز وإلا فلا، وهذا المذهب نقله الآمدي ولم ينقله الإمام ولا ابن الحاجب. ثم محل الخلاف كما قال ابن برهان في الوجيز إذا لم يكن الخبر معناه الأمر, فإن كان كقوله تعالى:{لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة: ٧٩] جاز بلا خلاف وتبعه عليه ابن الحاجب, وصرح في المحصول وغيره بأن الخلاف يجري فيه وإن تضمن حكما شرعيا، ثم استدل المصنف على مذهبه بأنه يصح عقلا أن يقال: لأعاقبن الزاني أبدا، ثم يقال: أردت سنة واحدة، ولا معنى للنسخ إلا ذلك، فإن النسخ إخراج بعض الزمان وهو موجود هنا، واستدل المانع بأن نسخه يوهم الكذب؛ لأن المتبادر منه إلى فهم السامع إنما هو استيعاب المدة المخبر بها وإيهام القبيح قبيح، وجوابه أن نسخ الأمر أيضا يوهم البداء، وهو ظهور الشيء بعد خفائه، فلو امتنع نسخ ذلك الإيهام لامتنع ذلك أيضا.