الأولى: أنا لا نسلم أنه كان مأمورا بالذبح، وإنما كان مأمورًا بالمقدمات، فظن أنه مأمور بالذبح، وتلك الأمور تمسكتم بها من قوله:{افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} وقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ} وحصول الفداء إنما هو بناء على ظنه أنه مأمور، وأجاب المصنف تبعا للحاصل بأن ظنون الأنبياء مطابقة يستحيل فيها الخطأ لا سيما في ارتكاب هذا الأمر العظيم. الثاني وهو اعتراض على المقدمة الثانية: لا نسلم أن الوجوب نسخ قبل الفعل, فإن إبراهيم قد امتثل، ولكنه كان كلما قطع شيئا وصله الله تعالى، والجواب أنه لو كان كما ذكرتم لم يحتج إلى الفداء, فإن الفداء بدل والبدل إنما يحتاج إليه إذا لم يوجد المبدول. وقوله:"قيل الواحد" أي عارضنا الخصم فاستدل بأنه لو جاز أن يرد الأمر بشيء في وقت، ثم يرد النهي عن فعله في ذلك الوقت لكان الشخص الواحد بالفعل الواحد في الوقت مأمورا به منهيا عنه وهو محال. وأجاب المصنف بانه إنما يكون محالا إذا كان الغرض حصول الفعل، وأما إذا كان المقصود هو ابتلاء المأمور أي: اختباره وامتحانه فيجوز, فإن السيد قد يقول لعبده: اذهب غدا إلى موضع كذا راجلا, وهو لا يريد الفعل بل يريد امتحانه ورياضته، ثم يقول له: لا تذهب، وأجاب ابن الحاجب أيضا بأن الأمر والنهي لم يجتمعا في وقت واحد, بل بورود النهي انقطع تعلق الأمر كانقطاعه بالموت. قال:"الرابعة: يجوز النسخ بلا بدل أو ببدل أثقل منه كنسخ وجوب تقديم الصدقة على النجوى، والكف عن الكفار بالقتال, استدل بقوله تعالى:{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا}[البقرة: ١٠٦] قلنا: ربما يكون عدم الحكم الأثقل خيرا. الخامسة: ينسخ الحكم دون التلاوة مثل قوله تعالى: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ}[البقرة: ٢٤٠] الآية وبالعكس مثل ما نقل: "الشيخ الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وينسخان معا كما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان فيما أنزل الله عشر رضعات محرمات فنسخن بخمس" ١. السادسة: يجوز نسخ الخبر المستقبل خلافا لأبي هاشم. لنا أنه يحتمل أن يقال: لأعاقبن الزاني أبدا, ثم يقال: أردت سنة قيل: يوهم الكذب, قلنا: ونسخ الأمر يوهم البداء". أقول: ذهب الشافعي إلى أن النسخ لا بد له من بدل فقال في الرسالة ما نصه: وليس بنسخ فرض أبدًا، إلا إذا أثبت مكانه فرض, هذا لفظه بحروفه. وذهب أيضا على ما حكاه عنه ابن برهان في الوجيز والأوسط إلى أنه لا يجوز النسخ إلى بدل هو أثقل إلى المنسوخ، وذهب الجمهور ومنهم الإمام والآمدي وأتباعهما إلى جواز الأمرين, أما الأول فلأن تقديم الصدقة على نجوى الرسول كان واجبا ثم نسخ بلا بدل. وأما الثاني فلأن الكف عن الكفار كان واجبا أي: كان قتالهم حراما لقوله تعالى: {دَعْ أَذَاهُمْ}[الأحزاب: ٤٨] ونحوه ثم نسخ بإيجاب القتل مع التشديد فيه كثبات الواحد للعشرة وذلك أثقل من الكف. واستدل الخصم على منعهما بقوله