قال:"الفصل السادس: في الحقيقة والمجاز, الحقيقة فعيلة من الحق الثابت أو المثبت, نقل إلى العقد المطابق ثم إلى القول المطابق، ثم اللفظ المستعمل فيما وضع له في اصطلاح التخاطب والتاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية، والمجاز مفعل من الجواز بمعنى العبور وهو المصدر أو المكان، نقل إلى الفاعل ثم إلى اللفظ المستعمل في معنى غير موضوع له يناسب المصطلح, وفيه مسائل". أقول: ذكر في هذا الفصل مقدمة وثماني مسائل؛ أما المقدمة ففي الكلام على لفظتي الحقيقة والمجاز على معناهما لغة واصطلاحا، ومقصوده الأعظم بيان أن إطلاق لفظتي الحقيقة والمجاز على المعنى المعروف عند الأصوليين إنما هو على سبيل المجاز، فأما الحقيقة فوزنها فعيلة وهي مشتقة من الحق، والحق لغة: الثبوت، قال الله تعالى:{وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}[الزمر: ٧١] أي: ثبتت، ومن أسمائه تعالى الحق؛ لأنه الثابت، ثم إن فعيلا قد يكون بمعنى فاعل الفاعل, فمعناها الثابتة من قولهم: حق الشيء يحق -بالضم والكسر- إذا وجب وثبت، وإن كانت بمعنى المفعول فمعناها المثبتة بفتح الباء من قولهم: حققت الشيء أحقه إذا أثبته، ثم نقلت الحقيقة من الثابت أو المثبت إلى الاعتقاد المطابق للواقع مجازا كاعتقاد وحدانية الله تعالى، قال في المحصول: لأنه أولى بالوجود من الاعتقاد الفاسد، وقد يقال: إنما كان مجازا لاختصاصه ببعض أفراد الثابت فصار كإطلاق الدابة على ذوات الأربع، ثم نقل من الاعتقاد المطابق إلى القول الدال على المعنى المطابق أي: الصدق لعين هذه العلة كما قال في المحصول١, ثم نق من القول المطابق إلى المعنى المصطلح عليه عند الأصوليين، وهو اللفظ المستعمل فيما وضع له في اصطلاح التخاطب، قال في المحصول: لأن استعماله فيما وضع له تحقيق لذلك الوضع. قال: فظهر أن إطلاق لفظ الحقيقة على هذا المعنى المعروف ليس حقيقة لغوية بل مجاز واقع في المرتبة الثالثة، لكنه حقيقة عرفية خاصة، ولقائل أن يقول: يجوز أن يكون لفظ الحق موضوعا للقدر المشترك بين الجمع وهو الثبوت، سلمنا لكن لا نسلم أن كل مجاز مأخوذ مما قبله بل الجميع مأخوذ من الحقيقة، وأما معنى الحقيقة في الاصطلاح فهو ما أشار إليه المصنف بقوله: اللفظ المستعمل ... إلخ فقوله: اللفظ جنس, لكنه جنس بعيد فالتعبير بالقول أصوب, وقوله: المستعمل خرج