قال:"المسألة الرابعة: التكليف يتوجه عند المباشرة وقالت المعتزلة: بل قبلها. لنا أن القدرة حينئذ قبل التكليف في الحال بالإيقاع في ثاني الحال قلنا: الإيقاع إن كان نفس الفعل فمحال في الحال، وإن كان غيره فيعود الكلام إليه ويتسلسل, قالوا: عند المباشرة واجب الصدور قلنا: حال القدرة والداعية كذلك" أقول: قال في المحصول: ذهب أصحابنا إلى الشخص إنما يصير مأمورا بالفعل عند مباشرته له والموجود قبل ذلك ليس أمرا, بل هو إعلام له بأنه في الزمان الثاني سيصير مأمورا، وقالت المعتزلة: إنه إنما يكون مأمورا قبل وقوع الفعل، وهذا الذي قاله هو مراد المصنف وهو مشكل من وجوه: أنه يؤدي إلى سلب التكليف، فإنه يقول: لا أفعل حتى أكلف، ولا أكلف حتى أفعل. الثاني: أن جعلهم السابق إعلاما يلزم منه دخول الخلف في خبر الله تعالى على تقدير أن الشخص لا يفعل؛ لأنه إذا لم يفعل يكون مأمورا لكونه يصير مأمورا عند مباشرة الفعل, قد فرضنا أن لا فعل فلا أمر وحينئذ فيكون الإخبار بحصول الأمر غير مطابق، الثالث: أن أصحابنا نصوا على أن المأمور يجب أن يعلم كونه مأمورا قبل المباشرة، فهذا العلم إن كان مطابقا فهو مأمور قبلها، وإن لم يكن مطابقا فيلزم أن يكون عالما بذلك, الرابع: أن إمام الحرمين وغيره صرحوا بأن الأشعري لم ينص على جواز تكليف ما لا يطاق، وإنما أخذ من قاعدتين إحداهما: أن القدرة مع الفعل كما سيأتي بيانه، والثانية: أن التكليف قبل الفعل، فعلمنا أن المذكور هنا عكس مذهب الأشعري. الخامس: أن الإمام في المحصول لما قرر جواز التكليف بما لا يطاق استدل عليه بوجوه منها: أن التكليف قبل الفعل بدليل تكليف الكافر بالإيمان والقدرة غير موجودة قبل الفعل وذلك تكليف بما لا يطاق، وذكر نحوه في المنتخب وهو مناقض لما ذكره هنا. قال القرافي: وهذه المسألة أغمض مسألة في أصول الفقه, قال إمام الحرمين في البرهان: والذهاب إلى أن التكليف عند الفعل مذهب لا يرتضيه لنفسه عاقل وقد سلك الآمدي ومن تبعه طريقا آخر فقال: اتفق الناس على جواز التكليف بالفعل قبل حدوثه سوى شذوذ من أصحابنا, وعلى امتناعه بعد صدور الفعل، واختلفوا في جواز تعلقه به في أول زمان حدوثه فأثبته أصحابنا، ونفاه المعتزلة. قوله:"لنا أن القدرة حينئذ" أي: حين الفعل ولا توجد قبله, فلو كان مكلفا قبل الفعل لكان مكلفا بما لا قدرة له عليه وهو محال، والدليل على أن القدرة لا تكون إلا مع الفعل من وجهين أحدهما: أن القدرة صفة متعلقة بالمقدور كالضرب المتعلق بالمضروب، ووجود المتعلق بدون المتعلق محال, هكذا قرره الإمام في المحصول والمنتخب في أثناء الاستدلال على التكليف بما لا يطاق. الثاني, ما قاله إمام الحرمين في البرهان والشامل: أن قدرة العبد عرض، والعرض لا يبقى زمنين، فلو تقدمت القدرة لعدمت عند