شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج
أي: شربن من ماء البحر, وقال الآخر:
فلثمت فاها آخذا بقرونها ... شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
أي: من برد وأثبته الكوفيون، ونص عليه أيضا جماعة غيرهم منهم: الأصمعي والقتيبي والفارسي في التذكرة, وقال به من المتأخرين ابن مالك، وهذه المسألة تكلم الأصوليون فيها اعتقادا منهم أن الشافعي إنما اكتفى بمسح بعض الرأس لأجل الباء وليس كذلك, بل اكتفى به لصدق الاسم كما ستعرفه في المجمل والمبين، والمسألة السادسة: تقييد الحكم فإنما نحو إنما الشفعة فيما لو يقسم هل يفيد حصر الأول في الثاني على معنى أنه يفيد إثبات الشفعة في غير المقسوم، ونفيها عن غيره؟ وفيه مذهبان صحح الإمام وأتباعه أنها تفيد, وعلى هذا فهل هو بالمنطوق أو بالمفهوم؟ فيه مذهبان, حكاهما ابن الحاجب, ومقتضى كلام الإمام وأتباعه ومنهم المصنف أنه بالمنطوق؛ لأنه استدل بأن إن للإثبات وما للنفي كما سيأتي فافهم ذلك، واختار الآمدي أنها لا تفيد الحصر بل تفيد تأكيد الإثبات وهو الصحيح عند النحويين, ونقله شيخنا أبو حيان في شرح التسهيل عن البصريين، ولم يصحح ابن الحاجب شيئا، استدل الأولون بأمرين أحدهما وهو مركب من العقلي والنقلي: أن كلمة إن لإثبات الشيء وما لنفيه، والأصل عدم التغيير بالتركيب فيجب الجمع بينهما بقدر الإمكان، وحينئذ نقول: لا جائز أن يجتمع النفي والإثبات على شيء واحد للزوم التناقض, ولا أن يكون النفي راجعا إلى المذكور والإثبات للسكوت عنه؛ لأنه باطل بالاتفاق، فتعين العكس لأنه الممكن وهو المراد بالحصر، وهذا ضعيف لأن المعروف عند النحويين أن ما ليست نافية بل زائدة كافة موطئة لدخول الفعل. الثاني: أن العرب الفصحاء قد استعملوها في مواطن الحصر، قال الأعشى:
ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر
قال الجوهري: معناه أكثر عددا، قال: ومقصوده تفضيل عامر على علقمة وليست بفتح التاء كما ضبطه الجوهري وغيره، وقال الفرزدق:
أنا الذائد الحامي الذمار وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
قال الجوهري: يقال: ذمر الأسد أي: زأر وتذامر القوم أي: حث بعضهم بعضا على الحرب, وقولهم: فلان حامي الذمار أي: إذا ذمر وغضب حمى، ثم قال: ويقال: الذمار ما وراء الرجل مما يجب عليه أن يحميه أي: من أهله وغيرهم، ووجه الاستدلال أن المقصود لا يحصل إلا بحصر العزة في الكاثر، وحصر الدفع فيه على أنها للحصر. قوله: "وعورض" أي: عورض ما ذكرناه بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} فإنه لو أفاد الحصر لكان من لم يحصل له الوجل لا يكون مؤمنا وليس كذلك, وجوابه أن المراد بالمؤمنين هم الكاملون في الإيمان جمعا بين الأدلة.
"فائدة": من أدوات الحصر إلا على اختلاف فيها يأتي في بابه, ومنها حصر المبتدأ في الخبر نحو: العالم زيد وصديقي زيد، وفيها المذاهب الثلاثة المذكورة, ومنها تقديم المعمول على ما قاله الزمخشري وجماعة نحو: إياك نعبد.