فتكون حقيقة في القدر المشترك؛ لأنها إن كانت حقيقة في كل واحد لزم الاشتراك أو في البعض خاصة لزم المجاز، فتعين ما قلناه, ولو قال المصنف: رفعا للاشتراك والمجاز لكان أولى.
قال:"الخامسة: الباء تعدي وتجزئ المتعدى لما يعلم من الفرق بين مسحت المنديل ومسحت بالمنديل ونقل إنكاره عن ابن جني, ورد بأنه شهادة نفي. السادسة: إنما للحصر؛ لأن إن للإثبات وما للنفي, فيجب الجمع على ما أمكن, وقد قال الأعشى:
....... ... وإنما العزة للكاثر
والفرزدق:
....... وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
وعورض بقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[الأنفال: ٢] قلنا: المراد الكاملون". أقول: هذه المسألة تتضح بكلام المحصول فلنقل كلامه ثم تنزل كلام المصنف عليه فنقول: قال في المحصول: الباء إذا دخلت على فعل لازم فإنها تكون للإلصاق نحو: كتبت بالقلم ومررت بزيد, وعبر المصنف عنه بالتعدية وليس كذلك فقد لا تكون كهذه الأمثلة وإنما تكون للتعدية إذا كانت بمعنى الهمزة في نقل الاسم من الفاعلية إلى المفعولية كقوله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ}[البقرة: ٢٠] أي: أذهب سمعهم، والتعبير بالإلصاق هو الصواب. ولم يذكر سيبويه للباء معنى غيره, ويدخل فيه ستة أقسام, منها ما هو حقيقة ومنها ما هو مجاز كما هو معروف في كتب النحو. ثم قال: وإن دخلت على فعل متعد كقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}[المائدة: ٦] فتكون للتبعيض خلافا للسقية، وعبر المصنف عنه بقوله: وتجزئ المتعدى قال في المعالم: لأنها لا بد أن تفيد فائدة زائدة صونا للكلام عن العبث وهذا أيضا غير مستقيم, فقد تكون زائدة للتوكيد كقوله تعالى:{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ}[المؤمنون: ٢٠] أي: تنبت الدهن وقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ}[البقرة: ١٩٥] أي: أيديكم، وأيضا فإن مسح يتعدى إلى مفعول بنفسه وهو المزال عنه, وإلى آخر بحرف الجر وهو المزيل. والباء فيه للاستعابة فيكون تقدير الآية:"وامسحوا أيديكم برءوسكم" وحاصل ما فيه أن اليد جعلت ممسوحة والرأس ماسحة وهو صحيح. وأيضا فجزم المصنف بأنها للتبعيض مناقض لما جزم به في المجمل والمبين كما ستعرفه. ثم قال: لأنا نعلم بالضرورة الفرق بين مسحت المنديل ومسحت يدي بالمنديل, فإنه يعم في الأول ويبعض في الثاني, وهو معنى قول المصنف: لما يعلم من الفرق، وهذا أيضا مردود فإن الفرق بينهما كونهما في الأول ممسوحة، وفي الثاني ماسحة لا ما قاله، ثم قال: وأنكر ابن جني ورودها للتبعيض وقال: إنه شيء لا يعرفه أهل اللغة ثم رده بأنه شهادة على نفي غير محصور فلا يسمع, وتابعه عليه المصنف. وهذا أيضا ممنوع فإن العالم بفن إذا علم منه الفحص قبل منه النفي فيه. ثم إنه قد ذكر ما يناقض ذلك في المسألة الثالثة, فإنه قد رد كونها للسببية بعدم ذكر أهل اللغة له الذي هو دون تصريحهم بنفيه. نعم طريق الرد على ابن جني بوروده في كلامهم فإنه قد اشتهر. قال الشاعر: