للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن قام زيد قام عمرو, وإن كان مضارعا جاز لكنه لا يجب: إن قام زيد يقوم عمرو وفيه تفصيل يطول ذكره, محله كتب النحو. وهذا الذي ذكره المصنف نقل الإمام عن بعضهم أنه استدل به وفيه نظر ظاهر, فقد تكون الفائدة هي الدلالة على أن الثاني جزاء عن الأول ومسبب عنه, وكونه جزاء دليل على التأخير والتعقيب. ولأجل هذا لم يجعله المصنف دليلا كما جعله الإمام بل استدل بالإجماع وجعل هذا من باب التحسين والتقوية وهو من محاسن كلامه. ثم شرع المصنف في الجواب عن دليل القدر وهو استدلال الخصم على أنها ليست للتعقيب بقوله تعالى: {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ} [طه: ٦١] فإن الافتراء في الدنيا، والسحت وهو الاستئصال إنما هو في الآخرة, وهذا يحتمل أن يكون دليلا مستقلا وأن يكون نقضا لما قررناه، وجوابه أن الاستئصال لما كان يقطع بوقوعه جزاء للمفتري جعل كالواقع عقب الافتراء مجازًا. ولا شك أن المجاز خير من الاشتراك. المسألة الثالثة: في "تدل على الظرفية أي: يجعل ما دخلت عليه ظرفا لما قبلها, وإما تحقيقا نحو: جلست في المسجد" أو تقديرا كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] فإنه لما كان المصلوب متمكنا على الجذع كتمكن الشيء في المكان عبر عنه بفي وهذا مذهب سيبويه والجمهوري, وذهب الكوفيون والقتيبي وابن مالك إلى أنها تأتي بمعنى على فيكون التقدير: "لأصلبنكم على جذوع النخل". وظاهر كلام المصنف تبعا للإمام أن في حقيقة "في" الظرفية الحقيقية والتقديرية بأن تكون متواطئة أو مشككة أو مشتركة, ومقتضى كلام النحويين والأصوليين أن استعمالها في الظرفية التقديرية على سبيل المجاز. ومن الفقهاء من قال: إنها قد ترد للسببية واختاره من النحاة ابن مالك فقط لقوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} [النور: ١٤] أي: بسبب قوله تعالى: "لمسكم فيما أخذتم" وقوله -عليه الصلاة والسلام: "إن امرأة دخلت النار في هرة" ١ وقوله: "في النفس المؤمنة مائة من الإبل" ٢ ولم يثبته المصنف. قال الإمام: لأن المرجع فيه إلى أهل اللغة ولم يذكره أحد منهم, وأما ما استدلوا به فيمكن حمله على الظرفية التقديرية مجازا. المسألة الرابعة: لفظة من تكون لابتداء الغاية, أي: في المكان اتفاقا كقولك: خرجت من البيت إلى المسجد، وفي الزمان عند الكوفيين والمبرد وابن درستويه وصححه ابن مالك واختاره شيخنا أبو حيان لكثرة وروده نظما ونثرا كقوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: ١٠٨] وتكون أيضا لتبيين الجنس كقوله تعالى: {فَاجتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: ٣٠] وتكون أيضا للتبعيض كقوله: أخذت من الدراهم. وتعرف صلاحية إقامة البعض مقامها, وقال الإمام: والحق عندي أنها للتبيين لوجوده في الجميع, ألا ترى أنها بينت في هذه الأمثلة مكان الخروج والمجتنب والمأخوذ منه


١ رواه الإمام أحمد في مسنده "٢/ ٥٧، ٢٨٦".
٢ أخرجه النسائي في سننه، كتاب القسامة، باب ٤٧، ج٤.

<<  <   >  >>