بالواو، ولا شك أن التثنية والجمع لا يوجبان الترتيب, فكذلك الواو وهذا الدليل ينفي المعية أيضا. قوله:"قيل: أنكر" أي: استدل على من قال: إنها للترتيب بوجهين الأول: ما رواه مسلم أن خطيبا قام بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد, ومن يعصهما فقد غوى, فقال عليه الصلاة والسلام:"بئس الخطيب أنت, قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى" ١, فلو كانت الواو لمطلق الجمع لم يكن بين العبارتين فرق. وجوابه أن الإنكار إنما هو لأن إفراد اسم الله تعالى بالذكر أشد تعظيما له يدل عليه أن الترتيب في معصية الله ورسوله لا يتصور لكونهما متلازمين, فاستعمال الواو هنا مع انتفاء الترتيب دليل لنا عليكم, فإن قيل: قد قال عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" فقد جمع بينهما في الضمير كما جمع الخطيب, فما الفرق؟ قلنا: منصب الخطيب قابل للزلل فيتوهم أنه جمع بينهما لتساويهما عنده بخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم. وأيضا فكلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- جملة واحدة، فإيقاع الظاهر فيه موقع المضمر قليل في اللغة، بخلاف كلام الخطيب فإنه جملتان. الثاني: أنه إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق وطالق, طلقت طلقة واحدة على الجديد الصحيح, ولو كانت الواو للجمع لكان قوله: أنت طالق, طلقتين. وجوابه أن قوله: وطالق معطوف على الإنشاء فيكون إنشاء آخر والإنشاءات تقع معانيها مترتبة بترتب ألفاظها؛ لأن معانيها مقارنة لألفاظها، فيكون قوله: وطالق إنشاء لإيقاع طلقة أخرى في وقت لا يقبل الطلاق؛ لأنها بانت الأولى بخلاف قوله: طلقتين, فإنه تفسير لطالق وليس بإنشاء.
قال:"الثانية: الفاء للتعقيب إجماعا؛ ولهذا ربط بها الجزاء إذا لم يكن فعلا, وقوله تعالى:{لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ}[طه: ٦١] مجاز. الثالثة: في الظرفية ولو تقديرا مثل: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}[طه: ٧١] ولم يثبت مجيئها للسببية. الرابعة: من تكون لابتداء الغاية وللتبعيض وللتبيين وهي حقيقة في التبيين دفعا للاشتراك". أقول: المسألة الثانية: الفاء للتعقيب أي: تدل على وقوع الثاني عقب الأول بغير مهلة, لكن في شكل شيء يحبسه فلو قال: دخلت مصر فمكة أفادت التعقيب على ما يمكن، واستدل المصنف عليه بالإجماع، وليس كذلك فقد ذهب الفراء إلى أن ما بعدها يجوز أن يكون سابقا، وذهب الجرمي إلى أنها دخلت على الأماكن أو المطر فلا ترتب, تقول: نزلنا نجدا فتهامة، ونزل المطر نجدا فتهامة, وإن كانت تهامة في هذا سابقة. قوله:"ولهذا" أي: ولأجل كونها للتعقيب ربط بها الجزاء أي: وجوبا إذا لم يكن فعلا، نحو: إن قام زيد فعمرو قائم فإن الجزاء يجب أن يوجد ةعقب الشرط, فلو لم تكن الفاء مناسبة لهذا المعنى مفيدة للتعقيب لم يجب دخولها عليه كالواو وثم, فإنه لم لا يجب بل يجوز, وإنما قيده بغير الفعل لأن الفعل إن كان ماضيا فلا يجوز دخولها عليه نحو
١ أخرجه أحمد في مسنده "٤/ ٢٥٧"، ومسلم في صحيحه، كتاب الجمعة باب "٤٨"، وأبو داود في سننه، كتاب الجمعة باب "٣٣".