للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس بضروري ونفيها عنه أيضا ليس بضروري, فقد سلبنا الضرورة عن الطرف الموافق وهو ثبوت الكتابة وعن المخالف وهو نفيها، وأما الإمكان العام فهو سلب الضرورة عن الطرف المخالف للحكم أي: إن كانت موجبة فالسلب غير ضروري, فإن كانت سالبة فالإيجاب غير ضروري, كقولنا: كل إنسان حيوان بالإمكان العام, معناه: أن سلب الضرورة عن أحد الطرفين جزء من سلب الضرورة عن الطرفين جميعا, فيكون الممكن العام جزءا من الممكن الخاص، ولفظ الممكن موضوع لهما فيكون مشتركا بين الشيء وجزئه. قال في المحصول: وإطلاقه أيضا على الخاص وحده من باب الاشتراك بالنظر إلى ما فيه من المفهومين المختلفين، وإنما سمي الأول بالإمكان الخاص، والثاني بالعام؛ لأن الأول أخص, فإنه متى وجد سلب الضرورة عن الطرفين وجد سلبها على الطرف المخالف بخلاف العكس، فصار كالإنسان والحيوان. قوله: "كالشمس" تمثيل للمشترك بين الشيء ولازمه، فإن الشمس تطلق على الكوكب المضيء، كما تقول: طلعت الشمس وعلى ضوئه كما تقول: جلسنا في الشمس, مع أن الضوء لازم له، فإن توقف في هذا المثال متوقف فليمثل له بالرحيم, فإن الجوهري نص على أن يكون تارة بمعنى المرحوم وتارة بمعنى الراحم, وكل منهما يستلزم الآخر, فيكون مشتركا بين الشيء ولازمه، ويمثل له أيضا بالكلام فإنه مشترك عند المحققين بين النفساني واللساني كما قاله في المحصول١، مع أن اللسان دليل على النفساني والدليل يستلزم المدلول فيصدق عليه أنه مشترك بين الشيء ولازمه على قول الإمام, ومختصرو كلامه لم يذكروا هذا القسم بل ذكروا عوضا عنه الاشتراك بين الشيء وصفته, ومثلوه بما إذا سمينا رجلا أسود اللون بالأسود, وفي التمثيل أيضا نظر لأن شرط المشترك أن يكون حقيقة في معنييه بلا خوف؛ ولهذا استدل به من قال: إنه أولى من المجاز، وإطلاق العلم عن مدلوله ليس بحقيقة ولا مجاز كما سيأتي، وقد تلخص مما قالوه أن الاشتراك قد يكون بين الشيء وجزئه، أو لازمه أو صفته, وهذه المسألة ليست في المنتخب. "فرع": قال الإمام: لا يجوز أن يكون اللفظ مشتركا بين النقيضين؛ لأن الواقع لا يخلو عن أحدهما فلا يستفيد السامع بإطلاقه شيئا, فيصير الوضع لذلك عبثا، واعترض عليه في التحصيل بأنه لا ينفي إلا وقوعه من واضع واحد وهو السبب الأقلي، واعترض القرافي أيضا أنه بدون الإطلاق يحتاج إلى دليل مستقل ومع الإطلاق لا يحتاج إلا إلى قرينة تعين المراد, ونقل القيراوني في المستوعب عن جماعة أنهم منعوا الاشتراك بين الضدين أيضا, والمشهور الجواز كما تقدم.


١ انظر المحصول، ص١٠٠، جـ١.

<<  <   >  >>