للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من محاسن كلامه، ثم إن الجائز يطلق حقيقة على الأجسام؛ لأن الجواز هو الانتقال من حيز إلى حيز، وأما اللفظ فعرَض يمتنع عليه الانتقال، فنقل لفظ المجاز من معنى الجائز إلى المعنى المصطلح عليه عند الأصوليين، وهو اللفظ المستعمل في معنى غير موضوع له يناسب المصطلح عليه، وإطلاقه على هذا المعنى على سبيل التشبيه، فإن تعدية اللفظ من معنى إلى معنى كالجائز من مكان إلى مكان آخر, فيكون إطلاق لفظ المجاز على المعنى المصطلح عليه مجازا لغويا في المرتبة الثانية حقيقة عرفية, فأما قوله: اللفظ المستعمل فقد عرفت شرحه مما تقدم، وأما قوله: في معنى غير موضوع له فاحترز به عن الحقيقة، ويؤخذ منه أن المجاز عند المصنف لا يستلزم الحقيقة؛ لأنه شرط تقدم الوضع لا تقدم الاستعمال، وهو اختيار الآمدي وجزم باستلزامه في المحصول في الكلام على إطلاق اسم الفاعل بمعنى الماضي، ونقله في الكلام على الحقيقة اللغوية عن الجمهور, ثم قال: وهو ضعيف على عكس ما جزم به أولا ولم يصحح ابن الحاجب شيئا، وأما قوله: يناسب المصطلح فأتى به لثلاثة أمور, أحدها: للاحتراز عن العلم المنقول كبكر وكلب, فإنه ليس بمجاز؛ لأنه لم ينقل لعلاقة. الثاني: اشتراط العلاقة. الثالث: ليكون الحد شاملا للمجازات الأربعة: المجاز اللغوي والشرعي والعرفي العام والعرفي الخاص, فأتى بالاصطلاح الذي هو أعم من كونه لغويا أو شرعيا أو عرفيا، وهذا الحد يرد عليه المجاز المركب، وذلك لأن شرط المجاز أن يكون موضوعا لشيء, ولكن يستعمل في غيره لعلاقة كما تقرر، والمركب عن المصنف غير موضوع فإنه قد قال في التخصيص: قلنا: المركب لم يوضع وقد وقعت للشارحين في هذا الفصل مواضيع ينبغي اجتنابها. واعلم أن هذه الأعمال كلها ما عدا الحدين لم يتعرض لها الآمدي ومن تابعه كابن الحاجب.

قال: "الأولى: الحقيقة اللغوية موجودة وكذا العامة كالدابة ونحوها, والخاصة كالقلب والنقض والجمع والفرق, واختلف في الشرعية كالصلاة والزكاة والحج؛ فمنع القاضي مطلقا واثبت المعتزلة مطلقا, والحق أنها مجازات لغوية اشتهرت لا موضوعات مبتدأة وإلا لم تكن عربية, فلا يكون القرآن عربيا وهو باطل لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [طه: ١١٣] ونحوه قليل المراد بعضه، فإن الحالف على أن لا يقرأ القرآن يحنث بقراءة بعضه قلنا: معارض بما يقال: إنه بعضه قيل: تلك كلمات قلائل فلا تخرجه عن كونه عربيا كقصيدة فارسية فيها ألفاظ عربية, قلنا: تخرجه وإلا لما صح الاستثناء قيل: كفى في عربيتها استعمالها في لغتهم، قلنا: تخصيص الألفاظ باللغات بحسب الدلالة قيل: منقوض بالمشكاة والقسطاس والإستبرق وسجيل قلنا: وضع العرب فيها وافق لغة أخرى". أقول: لما فرغ من الكلام على الحقيقة لغة واصطلاحا شرع في بيان وجودها، والحقيقة تنقسم إلى أربعة أقسام أحدها: اللغوية ولا شك في وجودها؛ لأنا نقطع باستعمال بعض اللغات في موضوعاتها كالحر والبرد والسماء والأرض، وبدأ المصنف

<<  <   >  >>