على الفساد، فإنه عدد بيوعا كثيرة وحكم بإبطالها لنهي الشارع، ثم قال ما نصه: وذلك أن أصل مال كل امرئ محرم على غيره إلا بما أحل به، وما أحل به من البيوع ما لم ينه عنه، فلا يكون ما نهي عنه من البيوع محلا ما كان أصله محرما. ثم قال: وهذا يدخل في عامة العلم انتهى, ونص في البويطي في باب صفة النهي عن مثله أيضا وهو كما نقله المصنف إلا في استثناء المقارن، وقد نقل ابن برهان عن الشافعي أنه مستثنى كما تقدم. المسألة الثالثة: مقتضى النهي أي: المطلوب بالنهي وهو الذي تعلق النهي به إنما هو فعل ضد المنهي عنه. فإذا قال: لا تتحرك فمعناه اسكن، وعند أبي هاشم والغزالي هو نفس أن لا يفعل وهو عدم الحركة في هذا المثال. لنا أن النهي تكليف والتكليف إنما يرد بما كان مقدورا للمكلف، والعدم الأصلي يمتنع أن يكون مقدورا؛ لأن القدرة لا بد لها من أثر وجودي، والعدم نفي محض فيمتنع إسناده إليها، إذ لا فرق في المعنى بين قولنا: ما أثرت القدرة أو أثرت عدما صرفا، ولأن العدم الأصلي -أي المستمر- حاصل والحاصل لا يمكن تحصيله ثانيا، وإذا ثبت أن مقتضى النهي ليس هو العدم ثبت أنه أمر وجودي ينافي المنهي عنه وهو الضد, ولقائل أن يقول: ترك الزنا مثلا ليس عدما محضا بل هو عدم مضاف متجدد فيكون مقدورا، واحتج أبو هاشم بأن من دعي إلى زنا فلم يفعله فإن العقلاء يمدحونه على أنه لم يزن من غير أن يخطر ببالهم فعل ضد الزنا.
قلنا: لا نسلم, فإن العدم ليس في وسعه كما قدمناه فلا يمدح عليه بل المدح على الكف عن الزنا، والكف فعل الضد، ولك أن تقول: ما الفرق بين هذه المسألة وبين قولهم: النهي عن الشيء أمر بضده, فإن هذا هو قولهم متعلق النهي ضد المنهي عنه. المسألة الرابعة: النهي إن كان عن شيء واحد فلا كلام وإن كان عن أشياء فعلى قسمين أحدهما: أن يكون عن الجمع أي: الهيئة الاجتماعية دون المفردات على سبيل الانفراد كالنهي عن نكاح الأختين وكالحرام المخير عند الأشاعرة كما تقدم في خصال الكفارة. الثاني: أن يكون عن الجميع أي: كل واحد كالربا والسرقة, واعلم أن الأشياء جمع وأقلها ثلاثة، وحينئذ فالتمثيل غير مطابق ولو عبر بالمتعدد لخلص من السؤال.