للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه هي مسألة الكتاب أصحهما عن ابن برهان, والآمدي والإمام وأتباعهما كالمصنف وابن الحاجب أن العبرة بعموم اللفظ؛ ولهذا قال: خصوص السبب لا يخصصه أي: لا يخصص العام الوارد على ذلك السبب بل يكون باقيا على مدلوله من العموم سواء كان السبب هو السؤال كما مثلناه ولم يكن كما روي أنه عليه الصلاة والسلام مر على شاة ميمونة وهي متية فقال: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" ١ هكذا قال الآمدي وابن الحاجب وغيرهما, وكأنهم جعلوا الشاة سببا لذكر العموم ثم استدل المصنف على ما اختار بأن اللفظ العام مقتضاه شمول الألفاظ وخصوص السبب لا يعارضه؛ لأنه لا منافاة بينهما بدليل أن الشارع لو قال: يجب عليكم حمل اللفظ على سببه لكان جائزا، ولو كان معارضا له لكان ذلك متناقضا، وإذا لم يعارضه فيجب حمله على العموم عملا بالمقتضى السالم عن المعارض. هكذا استدل الإمام على عدم المنافاة والمعارضة، واعترض عليه صاحب التنقيح فقال: إن الشارع لو تعبدنا بترك التخصيص بكل ما دل الدليل على كونه مخصصا لكان جائزًا ولا يوجب ذلك خروجه عن أن يكون مخصصا قبل التعبد بتركه, فكذلك هذا، والأولى الاستدلال على عدم المعارضة بإمكان إعمال العام في صاحب السبب وغيره، وذهب مالك وأبو ثور والمزني إلى أن العبرة بخصوص السبب، ونقله بعض الشارحين للمحصول عن القفال والدقاق أيضا، واستدلوا بأمور منها: أن السبب لو لم يكن مخصصا لما نقله الراوي لعدم فائدته، وجوابه: أن فائدته هي معرفة السبب وامتناع إخراجه عن العموم بالاجتهاد، أي: بالقياس, فإنه لا يجوز بالإجماع، كما نقله الآمدي وغيره؛ لأن دخوله مقطوع به لأن الحكم ورد بيانا له بخلاف غيره, فإن دخوله مظنون. ونقله الآمدي وابن الحاجب وغيرهما عن الشافعي أنه يقول بأن العبرة بخصوص السبب معتمدين على قول إمام الحرمين في البرهان: إنه الذي صح عندي من مذهب الشافعي, ونقله عنه في المحصول, وما قاله الإمام مردود, فإن الشافعي رحمه الله قد نص على أن السبب لا أثر له، فقال في باب ما يقع في الطلاق وهو بعد باب طلاق المريض ما نصه: وما يصنع السبب شيئا إنما يصنعه الألفاظ؛ لأن السبب قد يكون ويحدث الكلام على غير السبب ولا يكون مبتدأ الكلام الذي حكم, فإذا لم يصنع السبب بنفسه شيئا لم يصنعه لما بعده، ولم يمنع ما بعده أن يصنع ما له حكم، إذا قيل هذا لفظه بحروفه, ومن الأم نقلته فهذا نص بين دافع لما قاله ولا سيما قوله: ولا يمنع ما بعده ... إلخ, وذكر ابن برهان في الوجيز نحوه أيضا، فقال: قالوا: فإن كان اللفظ على عمومه فلماذا قدم الشافعي العموم العري عن السبب على العموم الوارد على سبب؟ قلنا: ما أورده من السبب وإن لم يكن مانعا من الاستدلال ومانعا من التعلق به، فإنه يوجب ضعفا, فقدم العري عن السبب لذلك أهمل كلامه. وهذه الفائدة التي حصلت بطريق العرض


١ أخرجه البخاري في صحيحه "٥/ ١٩٢" والهيثمي في مجمع الزوائد "٥/ ١٣" والهندي في كنز العمال، حديث رقم "١٢٩١٧" و"١٤٥٧٤".

<<  <   >  >>