للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مردود" أقول: إذا أفرد الشارع فردًا من أفراد العام أي: نص على واحد مما تضمنه وحكم عليه بالحكم الذي حكم به على العلم فإنه لا يكون مخصصا له كقوله -عليه الصلاة والسلام: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" مع قوله في شاة ميمونة: "دباغها طهورها" والدليل عليه أن الحكم على الواحد لا ينافي الحكم على الكل؛ لأنه لا منافاة بين بعض الشيء وكله، بل الكل محتاج إلى البعض، وإذا لم يكن منافيا لم يكن مخصصا؛ لأن المخصص لا بد أن يكون منافيا للعام، واعلم أن الواقع في الصحيحين من رواية ابن عباس أن الشاة كانت لمولاة ميمونة تصدق بها عليها, وقد تقدم تمثيل خصوص السبب بقصة ميمونة أيضا وهو صحيح لكونه بلفظ آخر غير هذا, واحتج الخصم وهو أبو ثور١ بأن تخصيص الشاة بالذكر يدل بمفهومه على نفي الحكم عما عداه، وقد تقدم أنه يجوز تخصيص المنطوق بالمفهوم وجوابه أن هذا مفهوم لقب وقد تقدم أنه مردود أي: ليس بحجة، وهذا الجواب ذكره ابن الحاجب بلفظه وهو أحسن من جواب الإمام، فإنه أجاب هو وصاحب الحاصل بأنا لا نقول بدليل الخطاب أي: بمفهوم المخالفة، وهذا الإطلاق مخالف لما قرره في مفهوم الصفة والشرط وغيرهما. واعلم أن مقتضى جواب المصنف وابن الحاجب تسليم التخصيص إذا كان المفهوم معمولا به، كما لو قيل: "اقتلوا المشركين" ثم قيل: اقتلوا المشركين المجوس، وبه صرح أبو الخطاب الحنبلي على ما نقله عنه الأصفهاني شارح المحصول في المطلق والمقيد، وحينئذ فيكون الكلام هنا في التخصيص بمجرد ذكر البعض من حيث هو بعض، مع قطع النظر عما يعرض له مما هو معمول به فافهمه، لكن ذكر الآمدي وابن الحاجب فيما إذا كان المطلق والمقيد منفيين ما حاصله أن ذكر البعض لا أثر له وإن اقترن بما هو حجة وسأذكره إن شاء الله تعالى في موضعه. وصرح به أيضا هناك أبو الحسين البصري في كتابه المعتمد على ما نقله عنه الأصفهاني المذكور، وحينئذ فيكون الجواب غير مستقيم، وقد اختلفوا في تحرير مذهب أبي ثور فنقل عنه الإمام في المحصول أن المفهوم مخرج لما عدا الشاة ونقل عنه ابن برهان في الوجيز وإمام الحرمين في باب الآنية عن النهاية أن المفهوم مخرج لما يؤكل لحمه. قال: "الثامنة: عطف العام على الخاص لا يخصص مثل "ألا لا يقتل مسلم بكافر, ولا ذو عهد في عهده "٢ وقال بعض الحنفية بالتخصيص تسوية بين المعطوفين، فلنا التسوية في جميع الأحكام غير واجبة". أقول: إذا كان المعطوف عليه مشتملا على اسم عام، واشتمل المعطوف على ذلك الاسم بعنيه، لكن على وجه يكون مخصوصا بوصف أو بغيره


١ أبو ثور: إبراهيم بن خالد، الكلبي، البغدادي، من رواة القديم، قال أحمد بن حنبل: أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة، قال: وهو عندي كسفيان الثوري، مات في صفر سنة "٢٤٠هـ" وكان أبو ثور على مذهب الحنفية، فلما قدم الشافعي بغداد تبعه، وقرأ كتبه ويسر علمه "طبقات الشافعية: ١/ ٢٥".
٢ أخرجه الإمام أحمد في المسند، حديث رقم "٩٩٥" جـ١، وابن حجر في فتح الباري "٤/ ٨٥".

<<  <   >  >>