للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالعبادة، وليس كذلك فإن العقل لا مجال له في هذا، وإنما علمنا عدم رضاهم بالنقل وهو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} [الأنبياء: ١٠١] الآية, وذلك متأخر وهذا الجواب من المصنف بناء على أن عصمة الأنبياء ثابتة بالسمع, والمعتزلة يقولون: إنها ثابتة بالعقل كما سيأتي فلا يستقيم الرد عليهم بذلك. قوله: "قيل: تأخير البيان إغواء" هذه حجة أبي الحسين البصري علىاشتراط البيان الإجمالي فيما له ظاهر، كما قال في المحصول، وتقريره أن الشارع إذا خاطبنا بذلك فإن لم يقصد إفهام المعنى كان عبثا وهو نقص، وإن قصده فإن كان هو المعنى الباطن كان تكليفا بما لا يطاق، وإن كان هو الظاهر كان إغواء أي إضلالا كما قاله الجوهري، ويقع في كثير له عليه وهو إيقاع في الجهل وقرره في المحصول بتقرير الراء، وفي الحاصل بتقرير الواو، وكلام المصنف يقتضي بأنه دليل للمانع مطلقا، وليس كذلك فإن المشترك ليس فيه إيقاع في الجهل، وأجاب المصنف بالنقض الإجمالي وهو جواز الخطاب بما يوجب الظنون الكاذبة كالتجسيم وغيره مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: ١٠] مع أنه ليس بإغواء إجماعا فكذلك هذا, وللخصم أن يفرق بأن هذه الأشياء قد قارنها دليل عقلي مرشد للصواب بخلاف تأخير البيان، وهذا الجواب لم يذكره الإمام بل ذكر شيئا آخر فيه ضعف. قوله: "قبل الخطاب" أي: استدل من منع تأخير البيان عن الخطاب الذي ليس له ظاهر أيضا كالمشترك، والذي له ظاهر ولكن امتنع الأخذ به لاقترانه بالدليل الإجمالي بأن الخطاب بذلك لا يحصل المقصود، فامتنع وروده كالخطاب بلغة لا يفهمها السامع، وأجاب المصنف بالفرق وهو أن الخطاب بما لا يفهمه السامع لا يفيد غرضا لا إجماليا ولا تفصيليا بخلاف الأول وهو الخطاب بالمشترك ونحوه فإنه يفيد غرضا إجماليا، فإذا قال: ائتني بعين أفاد الأمر بواحدة من العيون, فيتهيأ للعمل بعد البيان، وتظهر طاعته بالبشر وعصيانه بالكراهة وكذلك إذا قال: اقتلوا المشركين وقال: إن هذا العام مخصوص. قال: "تنبه: يجوز تأخير التبليغ إلى وقت الحاجة، وقوله تعالى: {بَلِّغْ} لا يوجب الفور". أقول: المراد بالتنبيه ما نبه عليه المذكور قبله بطريق الإجمالي وهو ههنا كذلك, وحاصله أنه يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم تأخير تبليغ ما أوحي إليه من الأحكام إلى وقت الحاجة إليها؛ لأنا نقطع بأنه لا استحالة فيه، ولأنه يجوز أن يكون في التأخير مصلحة يعلمها الله تعالى. وقال قوم: لا يجوز لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: ٦٧] وأجاب المصنف بأن الأمر لا يوجب الفور كما تقدم. قال في المحصول: وإن سلمنا لكن المراد هو تبليغ القرآن لأنه هو الذي يطلق عليه القول بأنه منزل، وذكره أيضا ابن الحاجب، ولك أن تقول: أي فرق بين تبليغ القرآن وبين غيره، وأيضا فالقرآن أن يشتمل على آيات تتضمن الأحكام فإذا وجب تبليغه على الفور وجب تبليغ أحكامها, وإذا وجب ذلك وجب تبليغ الأحكام مطلقا إذ لا قائل بالفرق

<<  <   >  >>