للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البيان المتصل بالحكم سواء كان مستقلا كقوله: "لا تقتلوا أهل الذمة" عقب قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِين} [التوبة: ٥] أو غير مستقل كالاستثناء والشرط وغيرهما، وأيضا لو لم يكن الناسخ متراخيا لكان الكلام متهافتا، وفي الحد نظر من وجوه أحدها: أن المنسوخ قد لا يكون حكما شرعيا خبرا كما سياتي. الثاني: أن هذا الحد منطبق على قول العدل: نسخ حكم كذا، مع أنه ليس بنسخ. الثالث: إذا اختلفت الأمة على قولين, فإن المكلف مخير بينهما، ثم إذا أجمعوا على أحدهما فإنه يتعين الأخذ به، وحينئذ فيصدق الحد المذكور عليه، مع أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به كما سيأتي. ثم إن النسخ قبل وقت الفعل داخل في حد الرفع, وفي دخوله في حد المصنف نظر، وكذلك التخصيص بالأدلة السمعية المتراخية. قوله: "وقال القاضي: رفع الحكم" أي: رفع حكم شرعي بطريق شرعي متراخ، وقد تقدم معنى الرفع، ورده الإمام بوجوه كثيرة اختار المصنف منها وجها واحدا، وهو أن الحكم الحادث ضد السابق، وليس رفع الحادث السابق بأولى من دفع السابق للحادث, ورفعه ودفعه مصدران مضافان إلى الفاعل، والضميران عائدان على الاسمين المتقدمين وهما الحادث والسابق, الأول للأول والثاني للثاني، ويجوز في الضميرين غير ذلك لكن بمراعاة إضافة المصدر إلى المفعول فإن قيل: بل الحادث أقوى من السابق لأجل حدوثه، قلنا: قال في المحصول: لا نسلم فكما أن الشيء حال حدوثه يمتنع عدمه فالسابق حال بقائه أيضا كذلك؛ لأن كلا من الحادث والسابق لكونه ممكنا يحتاج إلى سبب, ومع السبب يمتنع عدمه, فإذا امتنع العدم عليهما استويا في القوة فيمتنع الرجحان، ولك أن تقول: الحادث أولى بالرفع ولولا ذلك لامتنع تأثير العلة التامة في معلولها، وأيضا فإن القاضي لم يصرح بأن الرافع هو الحكم الحادث, فقد يكون الرافع عنده هو الإرادة. قال: "وفيه مسائل؛ الأولى: أنه واقع وأحاله اليهود. لنا أن حكمه إن تبع المصالح فيتغير بتغيرها وإلا فله أن يفعل كيف شاء, وأن نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- ثبتت بالدليل القاطع، وقد نقل قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: ١٠٦] وأن آدم عليه السلام كان يزوج بناته من بنيه والآن محرم اتفاقا قيل: الفصل الواحد لا يحسن ويقبح قلنا: منبي على فاسد ومع هذا فيحتمل أن يحسن لواحد أو في وقت, ويقبح لآخر أو وقت آخر". أقول: النسخ جائز عقلا، وواقع سمعا خلافا لبعض المسلمين, وافترقت اليهود على ثلاث فرق كما قال ابن برهان والآمدي وغيرهما، فالشمعونية منعوه عقلا وسمعا، والعناية منعوه سمعا فقط، والعيسوية قالوا بجوازه ووقوعه، وأن محمدا لم ينسخ شريعة موسى بل بعث إلى بني إسماعيل دون بني إسرائيل، وفي الكتاب والمعالم أن اليهود مطلقا أحالته، وليس كذلك. قوله: "لنا" أي: الدليل على ما قلناه من ثلاثة أوجه, الأول وهو دليل على الجواز فقط: أن حكم الله تعالى إن تبع المصالح كما هو مذهب المعتزلة فيلزم أن يتغير بتغيرها, فإنها تقطع بأن المصلحة قد تتغير بحسب الأوقات كما تتغير بحسب

<<  <   >  >>