المنافق وغيره, وقلنا: زال كيف كان. احتج المانع بقوله تعالى:{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ}[فصلت: ٤٢] قلنا: "الضمير للمجموع". أقول: لا يجوز نسخ جميع القرآن اتفاقا كما قاله في الحاصل وأشار إليه المصنف في آخر المسألة, ويجوز نسخ بعضه خلافا لأبي مسلم الأصفهاني كما نقله عنه الإمام وأتباعه، ونقل عنه الآمدي وأتباعه كابن الحاجب أنه منع وقوع النسخ مطلقا, وأبو مسلم هذا هو الملقب بالجاحظ كما قاله ابن التلمساني في شرح المعالم, واسم أبيه على ما قاله في المحصول: بحر وفي المنتخب: عمر واللمع: يحيى, واستدل المصنف بوجهين، أحدهما: أن الله تعالى أمر التي توفي عنها زوجها بالاعتداد بحول, فقال تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ}[البقرة: ٢٤٠] ثم نسخ ذلك بقوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البقرة: ٢٣٤] . اعترض أبو مسلم فقال: الاعتداد بالحول لم ينسخ بل خصص؛ وذلك لأن الحمل قد يمكث حولا فتعتد الحامل به، والجواب عنه أنا لا نسلم أن الحامل تعتد بالسنة بل إنما تعتد بوضع الحمل سواء حصل لسنة أو أقل أو أكثر, وخصوصية السنة لاغ ولا اعتبارية. الثاني: أنه تعالى أوجب على من أراد أن يناجي الرسول تقديم صدقة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}[المجادلة: ١٢] وبقوله تعالى: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}[المجادلة: ١٣] الآية, قال أبو مسلم: إنما زال ذلك لزوال سبب الإيجاب وهو التمييز بين المنافق وغيره، إذ المؤمن يمتثل والمنافق يخالف، فلما حصل التمييز سقط الوجوب، وأجاب المصنف تبعا للحاصل بأن المدعي زوال الوجوب بعد ثبوته سواء كان لزوال سببه أو لم يكن؛ لأنه معنى النسخ وقد ثبت ذلك هنا، وهذا الجواب مردود لأمور، منها أنه متناقض لما ذكره بعد ذلك فإنه استدل على أن الإجماع لا ينسخ القياس بقوله، وأما القياس فلزواله بزوال شرطه فاقتضى أن هذا ليس بنسخ. الثاني: أن ما زال بزوال علة يمكن عودها لا يقال فيه: إنه منسوخ بل مشروعيته باقية حتى يعود عند عود العلة, الثابت أنه إن أراد التمييز للنبي -صلى الله عليه وسلم- فهو باطل؛ لأنه كان يعلم أعيانهم حتى سماهم لصاحب سره حذيفة بن اليمان كما دلت عليه الأحاديث. وإن أراد التمييز للصحابة فدعوى زواله عنهم ممنوع بل استمر إلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأجاب الإمام بأنه لو نسخ كما قال لكان من لم يتصدق منافقا وهو باطل؛ فقد روي أنه لم يتصدق غير علي -رضي الله عنه- وفيه نظر, فإن عدم الصدقة قد يكون لعدم النجوى. قوله: احتج أبو مسلم على المنع بقوله تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ}[فصلت: ٤٢] فلو نسخ بعضه لتطرف إليه البطلان, وأجاب المصنف تبعا للحاصل بأن الضمير لمجموع القرآن, ومجموع القرآن لا ينسخ اتفاقا، وأجاب في المحصول بأن المراد أن هذا الكتاب لم يتقدمه من كتب الله ما يبطله ولا يأتيه من بعده ما يبطله, وأجاب غيرهما بأن النسخ إبطال لا باطل فإن