للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بغير إعراب الباقي، وإن لم يجز الذهول لم تقبل, وإن غيّر الإعراب مثل: "في كل أربعين شاة شاة" أو " نصف شاة" طلب الترجيح, فإن زاد مرة وحذف أخرى فالاعتبار بكثرة المرات". أقول: إذا روى اثنان فصاعدا حديثا وانفرد أحدهم بزيادة لم يروها الآخر، نظر فإن كان مجلس راوي الزيادة غير مجلس الممسك عنها فلا إشكال في قبولها, وإن كان المجلس واحدا نظرنا في الذين لا يرون الزيادة فإن كانوا عددا كثيرا لا يجوز في العادة ذهولهم عما ضبطه الواحد رددناها, وإن جاز عليهم الذهول, فإن كانت الزيادة تغير إعراب الباقي كما إذا روى: "في أربعين شاة شاة" وروى الآخر: "نصف شاة" فيتعارضان ويقدم الراجح منهما؛ لأن أحدهما يروي ضد ما يرويه الآخر إذ الرفع ضد الجر, وإن لم يتغير الإعراب قبلت خلافا لأبي حنيفة؛ لأن الراوي عدل ثقة جازم بالرواية فوجب قبولها كما لو انفرد بنقل حديث, ويحمل الحال على أن يكون الممسك عن الزيادة قد دخل في أثناء المجلس, أو على أنه ممن يرى نقل بعض الحديث, أو على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر ذلك الحديث في ذلك المجلس مرتين ولم يحضر في مرة الزيادة، ومثال ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- في: "زكاة الفطر على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين" ١ فإن التقييد بالمسلمين انفرد به مالك؛ ولذلك لم يشترط أبو حنيفة الإسلام في العبد المخرج عنه, وسكت المصنف عما إذا لم يعلم هل تعدد المجلس أواتخذ؟ قال في الأحكام: الحكم فيه على ما ذكرناه عند الاتحاد وأولى بالقبول؛ نظرا إلى احتمال التعدد وهذا التفصيل الذي ذكره في الكتاب اختاره الآمدي فقط, فإن ابن الحاجب لم يذكر تغير الإعراب وصرح بعدم اشتراطه أبو عبد الله البصري كما نقله عنه الإمام وغيره، وأما الإمام فشرط في القبول مع ما قلناه أن لا يكون الممسك عن الزيادة أضبط من الراوي لها, وأن لا يصرح بنفيها, فإن صرح بنفيها فقال: إنه -عليه الصلاة والسلام- وقف على قوله: "ذكر أو أنثى" ولم يأت بعده بكلام آخر مع انتظاري له فإنهما يتعارضان. ونص الشافعي -رحمه الله- على قبول الزيادة من غير تعرض لهذا الشرط, وممن نقله عنه كذلك إمام الحرمين في البرهان وفصل بعضهم فقال: إن كان راوي الزيادة واحدا والساكت عنها أيضا واحدا قُبلت، وإن كان الساكت جماعة فلا. واختار الأنباري شارح البرهان أن الراوي إن اشتهر بنقل الزيادات في وقائع فلا تقبل روايته؛ لأنه متهم وإن كان على سبيل الشذوذ قبلت. قال ابن الحاجب: وإذا أسند الحديث وأرسلوه أو رفعه, ووقفوه أو وصله وقطعوه, فحكمه حكم الزيادة في التفصيل السابق. قوله: "فإن زاد" يعني: أن الراوي الواحد إذا زاد في الحديث مرة وحذف أخرى أي: والحال كما تقدم من اتحاد المجلس والإعراب كما صرح به في المحصول, فالاعتبار بكثرة المرات؛ لأن الأكثر أبعد عن السهو، إلا أن


١ أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد "٣/ ٨٠"، والدارقطني في سننه "١/ ١٥٠", والهندي في كنزالعمال "٢٤١٢٦"، والإمام أحمد في مسنده "٢/ ٢٧٧".

<<  <   >  >>