قولين، واختاره الآمدي. والصحيح عند الإمام وابن الحاجب وغيرهما إمكانه، ومثل له المصنف تبعا لابن الحاجب باتفاق العلماء على تحريم بيع أم الولد, مع أن عليا وابن مسعود وجابر بن عبد الله وابن الزبير وابن عباس في رواية عنه وعمر بن عبد العزيز، كانوا يقولون بالجواز, وباتفاقهم أيضا على تحريم المتعة، يعني: تحريم نكاح المرأة إلى مدة, مع أن ابن عباس كان يفتي بالجواز، وفي المثالين نظر. وأما الأول فقال الآمدي: لا نسلم حصول الإجماع فيه؛ لأن الشيعة يقولون بالجواز, وأما الثاني فنقل الماوردي وغيره أن ابن عباس رجع فأفتى بالتحريم، فعلى هذا لا يكون مطابقا لهذه المسألة بل يكون مثالا للمسألة السابقة، وإذا قلنا بجواز الاتفاق بعد الاختلاف، فقال الإمام وأتباعه: يكون إجماعا محتجا به، واستدل عليه المصنف بأنه سبيل المؤمنين فيجب اتباعه لقوله تعالى:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء: ١١٥] الآية وقال بعض المتكلمين وبعض الفقهاء: لا أثر لهذا الإجماع، وهو مذهب الشافعي -رضي الله عنه- كما قال الغزالي في المنخول وابن برهان في الأوسط، وقال في البرهان: إن ميل الشافعي إليه قال: ومن عباراته الرشيقة في ذلك قوله: إنها المذاهب لا تموت بموت أصحابها، ولم يرجع ابن الحاجب شيئا مع ترجيحه أن الاتفاق إذا صدر من المختلفين يكون حجة كما قلناه عنه في المسألة السابقة، وسببه أن تلك المسألة ليس لغير المجتمعين فيها قول يخالف المجتمعين بخلاف هذه، ومن ثمرة الخلاف في هذه المسألة تنفيذ قضاء من حكم بصحة بيع أم الولد وسقوط الحد عن الواطئ في نكاح المتعة، وأخبرني بعض من أثق به أن قاضي المدينة أخبره أن بالمدينة مكانا موقوفا على نكاح المتعة ومستحما موقوفا على الاغتسال من وطئها. قوله:"قيل ... إلخ" أي: استدل القائلون بأنه ليس بإجماع بثلاثة أوجه الأول: قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء: ٥٩] والنزاع قد حصل, فوجب رده إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله, لا إلى الإجماع. وأجاب الإمام بوجهين أحدهما: أن الرد إلى الإجماع رد إلى الله ورسوله. الثاني: أن وجوب الرد إلى الله ورسوله مشروط بالتنازع وقد زال التنازع في العصر الثاني, فيزول وجوب الرد، واقتصر المصنف على هذا وفيه نظر، فإن الشرط إنما هو وجود التنازع، وقد وجد حصول الاتفاق بعد ذلك، ولا ينافي حصوله كما إذا قال لعبده: إن خالفتني فأنت حر, فخالفه ثم وافقه. الدليل الثاني: قوله -صلى الله عليه وسلم:"أصحابي كالنجوم, بأيهم اقتديتم اهتديتم" دل الحديث على حصول الاهتداء بالاقتداء بقول كل واحد منهم, سواء حصل بعد ذلك اتفاق أم لا، فلو أوجبنا الأخذ بما اتفق عليه أهل العصر الثاني للزم التقييد بحالة عدم الاتفاق، وهو خلاف الظاهر، وجوابه أن الخطاب مع العوام أي: المقلدين دون المجتهدين؛ لأن المجتهد لا يقلد المجتهد، ولأن قول الصحابي بحجة كما سيأتي، وهؤلاء العوام الذين خُوطبوا هم الموجودون في عصر الصحابة خاصة؛ لأن خطاب المشافهة لا يتناول من يحدث بعدهم، وحينئذٍ