ليس بإجماع، لكنه حجة، وحكى في المحصول عن ابن أبي هريرة أنه إن كان القائل حاكما لم يكن إجماعا ولا حجة ولا فتعم. وحكى الآمدي عن الإمام أحمد وأكثر الحنفية أنه إجماع وحجة, واختار الآمدي أنه إجماع ظني يحتج به, وهو قريب من مذهب أبي هاشم، ووافقه ابن الحاجب في المختصر الكبير, وأما في المختصر الصغير فإنه جعل اختياره محصورا في أحد المذهبين، وهما القول بكونه إجماعا، والقول بكونه حجة، والذي ذكره الآمدي هنا محله قبل انقراض العصر, وأما بعد انقراضه فإنه يكون إجماعا على ما نبه عليه في مسألة انقراض العصر. واعلم أن الشافعي قد استدل على إثبات القياس وخبر الواحد بأن بعض الصحابة عمل به ولم يظهر من الباقين إنكار، فكان ذلك إجماعا. قال في المعالم: وهذا يناقض ما تقدم نقله عنه, وأجاب ابن التلمساني بأن السكوت الذي تمسك به الشافعي في القياس وخبر الواحد هو السكوت المتكرر في وقائع كثيرة, وهو ينفي جميع الاحتمالات الآتية. قوله:"لنا" أي: الدليل على أنه ليس بإجماع ولا حجة، أن السكوت يحتمل أن يكون لأجل التوقف في الحكم، إما لكونه لم يجتهد فيه، أو لكونه اجتهد فلم يظهر له شيء, ويحتمل أن يكون الخوف من القائل أو المقول له كقول ابن عباس وقد أظهر مخالفة عمر في العول بعد موته وكان رجلا مهيبا فهبته، ويحتمل أن يكون سكت عن الإنكار لاعتقاده أن كل مجتهد مصيب، إلى غير ذلك من الاحتمالات, ولما احتمل السكوت هذه الوجوه لم يكن فيه دلالة على الرضا، وهو معنى قول الشافعي: لا ينسب إلى ساكت قول. قوله:"قيل: يتمسك" أي: احتج أبو هاشم على كونه حجة بأن العلماء لم يزالوا يتمسكون في كل عصر بالقول المنتشر بين الصحابة إذا لم يعرفوا له مخالفا, فدل على جواز الأخذ بقول البعض وسكوت الباقين. والجواب المنع، أي: لا نسلم أنهم كانوا يتمسكون به, فإن وقع منهم شيء فلعله وقع ممن يعتقد حجيته، أي على وجه الإلزام أو على وجه الاستئناس به، وأيضا فالاستدلال به إثبات للشيء بنفسه, فإن القول المنتشر مع عدم الإنكار هو قول البعض وسكوت الباقين. قوله:"فرع ... إلخ" اعلم أنه إذا قال بعض المجتهدين قولا ولم ينتشر ذلك القول بحيث يعلم أنه بلغ الجميع ولم يسمع من أحد ما يخالفه, فهل يكون كما إذا قال البعض وسكت الباقون عن إنكاره أم لا؟ اختلفوا فيه كما قاله في المحصول١ فمنهم من قال: يلحق به؛ لأن الظاهر وصوله إليهم، ومنهم من قال: لا يلحق به؛ لأنا لا نعلم هل بلغهم أم لا؟ واختاره الآمدي، ومنهم من قال: إن كان ذلك القول فيما تعم به البلوى بما تمس به الحاجة إليه كمس الذكر, فيكون كقول البعض وسكوت الباقين؛ لأن عموم البلوى يقتضي حصول التعلم به, وإن لم يكن كذلك فلا؛ لاحتمال الذهول عنه قال الإمام: وهذا التفصيل هو الحق؛ ولهذا جزم به في الكتاب.