مخالفة الثلاثة قادحة كما اقتضاه كلام الإمام، ونقل الآمدي عن قوم أن العدد الأقل إن بلغ عدد التواتر قدح في الإجماع, وإلا فلا. قال:"الثانية: لا بد له من سند؛ لأن الفتوى بدون خطأ قيل: لو كان فهو الحجة قلنا: يكونان دليلين, قيل: صحّحوا بيع المراضاة بلا دليل, قلنا: لا, بل ترك اكتفاء بالإجماع". أقول: ذهب الجمهور إلى أن الإجماع لا بد له من شيء يستند إليه من نص أو قياس؛ لأن الفتوى بدون المستند خطأ؛ لكونه قولا في الدين بغير علم، والأمة معصومة عن الخطأ. ولقائل أن يقول: إنما يكون خطأ عند عدم الإجماع عليه, أما بعد الإجماع فلا؛ لأن الإجماع حق, وحكى الآمدي وغيره عن بعضهم أنه لا يشترط المستند, بل يجوز صدوره عند توفيق, بأن يوفقهم الله تعالى لاختيار الصواب. ولما حكى الإمام هذا المذهب عبر عن التوفيق بالتبخيت تبعا لصاحب المعتمد وهو بالخاء المعجمة, وظن صاحب التحصيل أن المراد بالتبخيت هو الشبهة فصرح به وهو مردود فإنه غير مطابق للأدلة؛ ولأن الإمام قد نص في المسألة التي تلي هذه على جواز الإجماع عن الشبهة، واقتضى كلامه أن لا خلاف فيها, والمراد بالشبهة هو الدليل الظني كأخبار الآحاد والعمومات. قوله:"قيل: لو كان" أي: احتج الخصم بوجهين أحدهما: أن الإجماع لو كان له سند, لكان ذلك السند هو الحجة, وحينئذ فلا يكون للإجماع فائدة. وأجاب المصنف بأن الإجماع والسند يكونان دليلين, واجتماع الدليلين على الحكم جائز ومفيد، وأجاب ابن الحاجب أيضا بأن فائدته سقوط البحث عن الدليل، وحرمة المخالفة الجائزة قبل انعقاد الإجماع لكونه مقطوعا به, وبأن ما ذكروه يقتضي أن لا يجوز انعقاده عن دليل ولا قائل به. الوجه الثاني: أنه لو توقف الإجماع على السند لم يقع بدونه, لكنه قد وقع فإنهم أجمعوا على صحة بيع المراضاة بلا دليل, وجوابه: أنا لا نسلم أنهم أجمعوا عليه من غير دليل, فإن غاية ذلك أنهم لم ينقلوه اكتفاء بالإجماع فإنه أقوى, وعدم نقل الدليل لا يدل على عدمه. واعلم أن دعوى الإجماع على بيع المراضاة, ذكره أبو الحسين في المعتمد فقلده فيه الإمام ومن تبعه, فإن أرادوا به المعاطاة وهو الذي فسره به القرافي فهو باطل عند الشافعي، وإن أرادوا غيره فلا بد من بيانه وبيان انعقاد الإجماع فيه من غير سند. قال:"فرعان: الأول: يجوز الإجماع عن الأمارة؛ لأنها مبدأ الحكم قبل الإجماع على جواز مخالفتها, قلنا: قبل الإجماع، قيل: اختلف فيها قلنا: منقوض بالعموم، وخبر الواحد. الثاني: الموافق لحديث لا يجب أن يكون معه خلافا لأبي عبد الله البصري؛ لجواز اجتماع دليلين". أقول: إذا فرعنا على أن الإجماع لا بد له من سند فذلك السند يجوز أن يكون نصا, ويجوز أن يكون ظاهرا، وهل يجوز أن يكون أمارة يعني قياسا؟ فيه مذاهب حكاها الإمام, أصحها عنده وعند الآمدي وأتباعهما كابن الحاجب: أنه جائز وواقع واستدل عليه الآمدي وابن الحاجب بإجماعهم على تحريم شحم الخنزير قياسا على لحمه, وعلى إراقة الشيرج ونحوه إذا ماتت فيه الفأرة، قياسا على السمن، وعلى