عن الأول، وحاصله: أن الخصم إن اعتمد في إيراد قياس العكس على القياس الذي لبيان الملازمة فهو غير وارد؛ لأن الأصل والفرع فيه متماثلان، لكن التماثل حاصل على التقدير، فإنه على تقدير عدم اشتراط الصوم في صحة الاعتكاف يلزم أن لا يشترط أيضا حالة النذر، كما أن الصلاة لا تشترط في الاعتكاف حالة النذر، فأثبت عدم وجوب الصوم بالنذر بالقياس عدم وجوب الصلاة بالنذر، على تقدير عدم اشتراط الصوم في صحة الاعتكاف، والجامع كون كل من الصلاة والصوم غير شرط في صحة الاعتكاف، فإن قولنا: إثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر أعم من أن يكون حقيقة أو تقديرا، وإلى هذا أشار بقوله: والتماثل حاصل على التقدير، وإن اعتمد الخصم في الإيراد على التلازم فنحن نسلم أنه خارج عن حد القياس، لكن لا يضرنا ذلك فإنه ليس بقياس عندنا؛ لأن أصول الفقه إنما يتكلم فيها على القياس المستعمل في الفقه, والفقهاء إنما يستعملون قياس العلة، وأما ما عداه كالتلازم والاقتراني فإن الذي يسميهما قياسا إنما هم المنطقيون، إذ القياس عندهم قول مؤلف من أقوال متى سلمت لزم عند لذاته قولي آخر، والذي يسميه الأصوليون قياسا يسميه المنطقيون تمثيلا، فالتلازم قد عرفته ويعبر عنه بالاستثنائي سواء كان بان أو لا. وأما الاقتراني فكقولهم: كل وضوء عبادة لا بد فيها من النية, ينتج أن كل وضوء فلا بد فيه من النية، وإلى هذا أشار بقوله: والتلازم والاقتراني لا نسميهما قياسا، والتقرير المذكور في السؤال والجواب اعتمده واجتنب غيره. قال:"الأولى في الدليل عليه يجب العمل به شرعا، وقال القفال والبصري عقلا، والقاشاني والنهرواني حيث العلة منصوصة أو الفرع بالحكم أولى, كتحريم الضرب على تحريم التأفيف، وداود أنكر التعبد به، وأحاله الشيعة والنظام، واستدل أصحابنا بوجوه, الأول: أنه مجاوزة عن الأصل إلى الفرع، والمجاوزة اعتبار وهو مأمور به, في قوله تعالى:{فَاعْتَبِرُوا}[الحشر: ٢] قيل: المراد الاتعاظ، فإن القياس الشرعي لا يناسب صدر الآية، قلنا: المراد القدر المشترك، قيل: الدال على الكلي لا يدل على الجزئي، قلنا: بلى, ولكن ههنا جواز الاستثناء دليل العموم. قيل: الدلالة ظنية، قلنا: المقصود العمل فيكفي الظن". أقول: اتفق العلماء كما قاله في المحصول قبيل هذه المسألة, على أن القياس حجة في الأمور الدنيوية، واختلفوا في الشرعية، فذهب الجمهور إلى وجوب العمل بالقياس شرعا، وذهب القفال الشاشي من الشافعية وأبو الحسين البصري من المعتزلة إلى أن العقل قد دل على ذلك يعني مع السمع أيضا، كما صرح به في المحصول، وقال القاشاني والنهرواني: يجب العمل به في صورتين, إحداهما: أن تكون علة الأصل منصوصة إما بصريح اللفظ أو بإيمائه، والثانية: أن يكون الفرع بالحكم أولى من الأصل، كقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف، واعترفا بأنه ليس للعقل هنا مدخل، لا في الوجوب ولا في عدمه، كما قاله في المحصول١ أيضا، وهذه الثانية أبدلها في المستصفى بالحكم الوارد على