للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيضا؛ لأن فرعَ الفرعِ فرعٌ, فعلى هذا يتفق الاصطلاحان. ولعل المصنف إنما أهمل بيان فرعه لذلك، وما قاله في الاتفاق ممنوع؛ لأن الفرع في الأول هو المحل المشبه لا حكمه، وقال الإمام: القياس مشتمل على أصلين وفرعين, فالحكم الذي في الصورة الأولى كتحريم الخمر أصل العلة التي فيها، والعلة فرع منه، وأما في الصورة الثانية وهو النبيذ، فإن الأمر بالعكس، أي تكون العلة التي فيه أصلا للحكم والحكم فرعا منها، وهذه الاصطلاحات راجعة إلى قولنا: الأصل ما يبنى عليه غيره، فأما رجوع الأولين إليه فظاهر، وأما الثالث فلأن إثبات علة الحكم في الخمر متوقف على الحكم؛ لأنا ما لم نعلم ثبوت الحكم لا نطلب علته، بخلاف النبيذ فإن إثبات الحكم فيه متوقف على العلة، لكن هذا إنما يظهر في العلة المستنبطة خاصة. وقوله: "وبيان ذلك ... إلخ" لما بين الأركان الثلاثة تبيينا إجماليا شرع في تبيينها مفصلة، فعقد لذلك فصلين، الأول: في تعريف العلة وبيان انقسامها وأحكامها، والثاني: في شرائط الأصل والفرع, وقدم الكلام على العلة لأنها الركن الأعظم، وقد اختلفوا في تفسيرها؛ فقال الغزالي: العلة هي الوصف المؤثر في الأحكام بجعل الشارع لا لذاته. وقد تقدم إبطاله في تقسيم الحكم، وقالت المعتزلة: هي المؤثر لذاته في الحكم، وهو مبني على التحسين والتقبيح، وقد تقدم إبطاله أيضا. وقال الآمدي وابن الحاجب: هي الباعث على الحكم، أي: المشتمل على حكمه, صالحة لأن تكون مقصود الشارع من شرع الحكم، وقال الإمام: إنها المعرف للحكم واختاره المصنف, فإن قيل: العلة المستنبطة إنما عرفت بالحكم؛ لأن معرفة كونها علة للحكم متوقف على معرفة الحكم بالضرورة, فلو عرف الحكم بها لكان العلم بالحكم متوقفا عليها وهو دور، واحترزنا في السؤال بالمستنبطة عن المنصوصة، فإن معرفتها غير متوقفة على الحكم لكونها ثابتة بالنص، وأجاب المصنف بأن تعريف الحكم بالعلة إنما هو بالنسبة إلى الأصل، وتعريف العلة للحكم بالنسبة إلى الفرع فلا دور لاختلاف الجهة، وهذا الجواب يلزم منه زيادة قيد في التعريف، فيقال: إن العلة هي المعرف لحكم الفرع، أي: الذي من شأنه أنه إذا وجد فيه كان معرفا لحكمه، وقد أورد بعضهم على التقييد بهذه الزيادة إيرادات ضعيفة فاحذرها. قال: "النظر في أطراف, الطرف الأول في الطرق الدالة على العلية, الأولى: النص القاطع كقوله تعالى في الفيء: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} [الحشر: ٧] وقوله -عليه الصلاة والسلام: "إنما جعل الاستئذان لأجل البصر" ١ وقوله: "إنما نهيتكم عن لحوم الأضاحي لأجل الدافة" ٢ والظاهر اللام كقوله تعالى: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨]


١ أخرجه البخاري "٨/ ٦٦", والإمام أحمد في المسند "٥/ ٣٣٠", والمنذري في الترغيب والترهيب "٣/ ٤٣٧".
٢ أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأضاحي "٢٨", والإمام أحمد في مسنده "٦/ ٥١", والهندي في كنز العمال "١٢٢٦٣".

<<  <   >  >>